جدلية التطبيع العربي الرسمي الخطير جدا...جداعلى القضية ومستقبل الأمة....!؟
نواف الزرو
Nzaro22@hotmail.com
"أَنَا يُوسُفٌ يَا أَبِي. يَا أَبِي، إِخْوَتِي لَا يُحِبُّونَنِي، لاَ يُريدُونَنِي بَيْنَهُم أَبِي. يَعتدُونَ عَلَيَّ وَيرْمُونَنِي بِالحَصَى وَالكَلَامِ يُرِيدُونَنِي أَنْ أَمُوتَ لِكَيْ يَمْدَحُونِي. وَهُمْ أَوْصَدُوا بَابَ بَيْتِك دُونِي. وَهُمْ طرَدُونِي مِنَ الحَقْلِ".
==============================================================================
على الرغم من الاجماع الشعبي العربي المناهض للتطبيع مع الكيان الصهيوني الذي تجلى على نحو عظيم في المونديال الكروي في قطر، لكن بالمقابل تابعنا مسلسل الزيارات الرسمية الصهيونية لبعض العواصم العربية وانتشار فيروس التطبيع، وهناك توقعات انضمام المزيد من المتهافتين العرب على التطبيع، نعود لدراما التهافت التطبيعي العربي مرة ثانية وثالثة ورابعة، لاننا امام انهيار للمناعة وللجدران العربية الرسمية وامام تهافت تطبيعي عربي رسمي لم يخطر ببال آبائنا وأجدادنا ابدا...!.
ولعلنا نتساءل بادىء ذي بدء: هل نجحت الصهيونية ومن ورائها الادارة الامريكية بزرع فيروساتها التطبيعية في الجسم الرسمي العربي...؟!.
ام ان هذه الفيروسات مزروعة منذ زمن طويل وحان وقت اعلانها-قطافها-....!؟
وقبل الدخول في جدلية التطبيع العربي، دعونا نسجل اولا ان الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة على مدى العقود الماضية كانت تطالب وتصر على التطبيع العربي الكامل قبل ان تقدم شيئا للفلسطينيين، وقبل اي تسوية سياسية، كما ان الادارات الامريكية طالبت العرب على مدى السنوات الماضية ب”التطبيع اولا مع إسرائيل-وفقا للشروط الاسرائيلية”، فمن الرئيس كارتر الى كلينتون الى جورج بوش الاب الى بوش الابن، فالرئيس الأمريكي أوباما الذي تعهد لنتنياهو بالدفع بـ”مبادرة سلام” جديدة تتضمن دفع دول عربية للبدء بالتطبيع مع إسرائيل فورا، وتطبيق المرحلة الأولى من خارطة الطريق، علاوة على تعهده بعدم السماح لإيران بحيازة أسلحة نووية". واخيرا وليس آخرا جاءنا الرئيس ترامب بصفقته القرنية التصفوية ليطالب العرب بالتطبيع الشامل أولا مع "اسرائيل"، وقد حقق نجاحات كبيرة لم تخطر في بال أحد من "الفئران في جحورهم" في يوم من الايام.
واسرائيليا- وكما نتابع ونعرف فان هناك اجماع حزبي سياسي امني اسرائيلي على ان يقوم العرب بالتطبيع مع “اسرائيل” قبل اي خطوة اسرائيلية...وها ان العرب يلبون الشروط الاسرائيلية منبطين على نحو مخجل جدا….!.
ونقول في هذا السياق، لو كان هذا التهافت التطبيعي العربي مع الكيان جاء وفقا –مثلا- للمبادرة العربية(وانا شخصيا اسجل بانني ضد المبادرة واي مبادرة تصفوية طرحت او ستطرح-، اي بعد ان تلتزم"اسرائيل" ب"إقامة الدولة الفلسطينية " و"الانسحاب من الاراضي المحتلة"، وحل"قضية اللاجئين وحق العودة"، واعتبار "القدس عاصمة للدولة الفلسطينية العتيدة"، لقلنا هي المبادرة هكذا "تطبيع مقابل دولة عاصمتها القدس"، ولكن هذا الذي يجري في هذه الايام انما هو تطبيع عربي انهزامي مرعب امام الكيان.
وجاء الرئيس ترامب (في عهده) ليتجاوز كافة الخطوط الحمراء المتعلقة بالقضية الفلسطينية التي التزم بها رؤساء الولايات المتحدة في المراحل السابقة، ليحطم كل الأواني وليعترف بالقدس الموحدة عاصمة ل"اسرائيل"، وبالجولان تحت السيادة الاسرائيلية، وليأتي لنا بصفقة القرن التي تلغي تماما كافة المطالب والحقوق الوطنية الفلسطينية، وتمنح الكيان حرية اتخاذ القرارات السيادية على كامل الضفة الغربية....وهكذا...!.
والواضح تماما ان الإدارتين الأمريكية والاسرائيلية لا تعملان في هذه المرحلة من اجل تفكيك المقاطعة الاقتصادية العربية فقط ، وإنما من اجل تحقيق التطبيع العربي بكافة أشكاله الثقافية والإعلامية والاجتماعية والتعليمية والسياسية الخ..!. فبالنسبة لهما فإن التطبيع يعني إقامة وإحلال علاقات طبيعية بين الأمة العربية واسرائيل كبديل للصراع الاستراتيجي، ومن هنا فإن الاصرار على التطبيع يحمل معنى القسر والإكراه والابتزاز لفرض نمط علاقة غير طبيعية . وبالتالي فإذا كان التطبيع يعني انتقالاً نوعياً لنمط العلاقة بين الطرفين المتصارعين، فإن النمط الجديد للعلاقة المطلوبة مع اسرائيل بالضرورة يخضع لموازين القوى القائمة، أما أشكال ومضامين التطبيع المطلوبة فهي -كما كنا كتبنا واشرنا في مقالات سابقة-:
1-التطبيع السياسي والاعتراف الدبلوماسي والقانوني من قبل جميع الدول العربية.
2-التطبيع الاقتصادي – أي إنهاء المقاطعة الاقتصادية تماماً وبناء علاقات اقتصادية في مختلف المجالات: زراعة .. صناعة .. خبرات .. أيدي عاملة .. استثمارات ..
3-التطبيع السيكولوجي- النفسي، أي تطبيع وجود " إسرائيل " والقبول بها عربياً رسمياً وشعبياً والتعايش معها بوصفها دولة طبيعية مشروعة في المنطقة .
4-التطبيع الثقافي والفني، وهذا يعني إلغاء منظومة كاملة من المعتقدات والأفكار والمفاهيم التي نشأت عليها أجيال وأجيال فلسطينية وعربية ، مع كل ما يتطلبه ذلك من تغيير في المناهج التعليمية والمطبوعات الفكرية والسياسية والثقافية والتاريخية والوسائل والخطابات الإعلامية والأنشطة الفنية .. الخ، وهذا النوع من التطبيع هو الاخطر في الجوهر، وما مسلسلي "ام هارون" و"مخرج-7" الا مثالين في هذا السياق، وربما يكون القادم اعظم واخطر...
ولذلك يمكن القول أن " التطبيع " في المفهوم الأمريكي-الاسرائيلي ليس له علاقة بالتطبيع الإنساني الذي يقوم بين شعب وآخر متحاربين، أو ما بين شعوب متناددة تحتاج إلى مثل هذا التطبيع، وإنما هو تطبيع ابتزازي يستند بوضوح إلى هذا الخلل المفجع في موازين القوى، والى هذه الانهزامية الاستسلامية من قبل بعض العرب ..وهو تطبيع ابتزازي يهدف إلى تشريع وجود دولة قامت بصورة غير مشروعة وعبر السطو المسلح على انقاض شعب كان قائماً على امتداد مساحة وطن مشروع له عبر التاريخ . وهو تطبيع ابتزازي يهدف إلى تحقيق جملة من الأهداف الاستراتيجية مما يؤدي في المحصلة إلى تحقيق وتكريس " أطلس الأحلام والأهداف الاستراتيجية الصهيونية".
مؤسف ان نعترف ان السياسات الامريكية –الاسرائيلية الهجومية في جبهة التطبيع نجحت الى حد مقلق في اختراق هذه الجبهة الاهم والاخطر في المواجهة العربية مع المشروع الصهيوني، كما نجحت على نحو اخطر في بث الفتن والجدالات الداخلية في الاوساط السياسية والاكاديمية والثقافية وغيرها في الدول والمجتمعات العربية، الامر الذي ترك ويترك وراءه حالات من الصراعات والانشغالات الداخلية العربية في الوقت الذي كان يجب ان ينشغل العرب اكثر بالمضامين الحقيقية للصراع وبكيفية التصدي لهذا الهجوم الامريكي –الاسرائيلي الذي يستهدف تفكيك اهم واخطر جبهة مناهضة وممانعة عربية في وجه تطبيع" اسرائيل" في المنطقة...!
وخلاصة القول في المشهد: في ضوء هذا التهافت التطبيعي العربي مع العدو، يمكننا القول بمنتهى الوضوح، ان فيروسات التطبيع العربي كأنها فيروسات صهيونية زرعت في صلب هؤلاء الاعراب، انه تطبيع عربي انهزامي غير طبيعي مع "اسرائيل" في زمن الحروب الاستعمارية الصهيونية-الامريكية المفتوحة على فلسطين والامة بكاملها...!.
ونعتقد ان على كل القوى الحية القومية العروبية ان تستيقظ وتستنفر وتوحد جهودها في معركة واحدة رئيسية وهي التصدي لهذا الانفلات التطبيعي العربي الخطير جدا...جدا....!؟
|