المسألة الديمقراطية و"الربيع العربي"
د.عدنان بكريه
كثيرا ما تم تناول قضية الديمقراطية في العالم العربي كضرورة سياسية إنسانية حياتية وسبيل نحو نهوض الأمة وتقدمها وكثيرا ما تم وضع الإصبع على الجرح وتشخيص الحالة التي وصلت إليها الأمة العربية في ظل سيطرة أنظمة الاستبداد وسلبها للمواطن العربي أدنى حقوقه الفردية ..لكن هذا التشخيص راوح بين اتهام النظام الرسمي العربي وبين إلقاء الكيل على الظروف الموضوعية الراهنة التي تحول دون تحقيق الحرية للانسان العربي .
قمعوا مظاهرات الجوع تحت بدعة الأولويات القومية والوطنية ..
تم حرمان المواطن العربي من حقوقه اليومية والحياتية بحجة "أولويات مجابهة العدو " ومرت الأعوام والعقود فلا العدو جوبه ولا الحقوق اعطيت !وكان من الطبيعي أن يبقى المواطن العربي متخلفا عن ركب التقدم والتطور بسبب سياسة الكبت التي يعاني منها ..لم يخلق المواطن من رحم أمه "متخلفا"كما يحاول البعض نعت ووصف الانسان العربي بل هناك عدة عوامل ساهمت في تراجعه المستديم عن مجاراة التطور والعصرنة..
وهنا نحن لسنا بصدد تناول كل العوامل والخلفيات بل نريد إلقاء نظرة على المسألة الديمقراطية ودورها في تراجع الأمة العربية ..دورها في حالة الركود والسكينة التي مر بها الانسان العربي وما تلاها من نهوض تلقائي عشوائي أسموه "الربيع العربي".
لم يكن من السهل على الانسان العربي والذي لم يعرف معنى الديمقراطية من قبل ولم يمارسها ان يستوعبها بسرعة ..لذا كانت الممارسة خلال المظاهرات والهبات شبه عشوائية وأحيانا اتسمت بالغوغائية والعفوية دون تخطيط مسبق وحتى ادراك ووعي لشكلية الممارسة كما هو حاصل في ليبيا...ولهذا استطاعت العناصر التدميرية الخارجية من اختراق هذه الهبات وتسخيرها لخدمة أجندات سياسية وإستراتيجية خاصة ..
وعودة الى الديمقراطية وشغف الانسان العربي لتحصيلها وكيفما عالجنا مسألة الديمقراطية ووفق أية معايير أو مؤشرات، فإن الاستنتاج الأساس يؤكد أن الديمقراطية بنية دولة ومجتمع وليست مجرد نظام سياسي . كي تكون الديمقراطية مستوفية شروطها كما في معظم الفكر السياسي والقانوني والاجتماعي، الانتخابات وحدها ليست الديمقراطية . والنظام التمثيلي ليس وحده الديمقراطية والليبرالية أو الحريات وحدها ليست الديمقراطية .
وهناك من فهم الحرية على انها فوضى وسخرها لتصفية حساباته السياسية وأحيانا الفردية ورافق هذه الفوضى العديد من المظاهر السلبية التي أساءت للإنسان العربي وصدقية مطالبه اذا فالديمقراطية بمفهومها الحضاري ليست مظاهرات وليست إشهار السلاح بوجه الآخر وليست تدمير أوطان بل هي مركب انساني حضاري متعدد الجوانب والأوجه واذا كنا حقا نطالب بالحرية والديمقراطية فعلينا نبذ الوجه المظلم للممارسة الديمقراطية ..ليس من المقبول والمعقول ان نقتل ونهجر باسم الديمقراطية ..ان ندمر ونخرب الأوطان باسم الحرية ..وليس من المقبول ان نحرم غيرنا من الديمقراطية التي ننادي بها كما هو حاصل في مصر الجديدة .
أن غياب مشروع الديمقراطية حتى داخل ما سمي "بالثورات العربية"؛ أعطى المجال لأطراف ما سمي "ب الثورة " لجني ثمار سيطرتهم وحدهم وهكذا تحولت الثورة الى مشروع فئوي هدفه السيطرة وجني الأرباح متجاهلا باقي فئات المجتمع المدني وتحولت الثورة الى "ثورة تأكل أبناءها" مهددة بلدانها بالتقسيم والتدمير وربما غيابها عن الجغرافيا السياسية .
ان ما يجري في تونس ومصر من فشل في فهم معطيات المرحلة ومتطلباتها الديمقراطية يؤكد بشكل قاطع ان تحقيق استقرار وحرية المواطن يحتم تطبيق آليات إصلاحية حديثة تراعي كل مركبات ومكونات المجتمع داخل تلك البلدان فالدولة هي ملك لكل المجتمع وليس لفئة محددة ونجاح التجربة يتطلب إشراك كل فئات المجتمع في في صياغة ورسم معالم المرحلة القادمة وليس التفرد والاستئثار بالسطة ..فالفشل في ترسيخ المفهوم الديمقراطي بشكل سليم أصبح يهدد المجتمعات العربية بمصير مجهول فالاستعمار الجديد ينفذ عبر ثغرات الفشل لفرض الوصاية علينا والعبث بمستقبلنا.
غياب الممارسة السليمة للديمقراطية أفسح المجال أمام القوى الخارجية للتدخل بدوافع إستراتيجية خالصة..فعاطفة الخارج لا تقطر على حرية الشعوب العربية ولا على مصالحها الحياتية بل ان أطماع الغرب السياسية والاقتصادية يدفعها للنفاذ عبر الثغرات من اجل فرض هيمنتها السياسية على البلدان والشعوب العربية وما نخشاه ان تكون الهيمنه المستقبلية للغرب أقوى مما كانت عليه في ظل أنظمة الحكم السابقة و"المخلوعة" ...ان ما نخشاه ان يتحول التجديد في الدول العربية الى معظلة استثناء الآخر وتهميشه اذ لا يمكن للمجتمع الحضاري ان يبنى من خلال فرض أفكار وأدوات فئة معينة دون إشراك الفئات الأخرى .
نضع أيادينا على قلوبنا خوفا من المستقبل الغامض الذي ينتظر الأمة العربية وذالك لأن ما سمي بالثورات كان بعيدا عن مفهوم الثورة الحقيقية..فالثورة يجب ان تمتلك أجندات سياسية اجتماعية واستراتيجيات طويلة الأمد ..فليس كل من نادى باسقاط النظام هو ثائر او صاحب ثورة ..فكم بالحري عندما يحملون السلاح ضد اخوتهم .. الثورة الحقيقية هي ليس فقط التخلص من النظام الاستبدادي القائم بل مساهمة في بناء نظام أفضل عنوانه العدالة الاجتماعية والسياسية واحترام الفرد والمجموعات على تنوعها ..اعتقد ان ما هو حاصل فيم مجتمعات "الربيع العربي"عكس ذالك تماما
|