المسألة الديمقراطية والثورات العربية
د.عدنان بكرية
هناك من لا يرى ابعد من انفه في تفسير وتناول المسألة الديمقراطية ويرى بأن تحصيلها يجب ان يتم حتى لو اقتضت الضرورة التعاون والتعامل مع الأجنبي وحتى لو كلف الأمر تفكيك البلاد واحتلالها وتدمير ثرواتها ..
الأهم في الأمر هو السؤال هل الأنظمة التي تنادي بالديمقراطية وتدعم تلك الثورات المزعومة تطبق ولو جزءا بسيطا من هذه الديمقراطية في بلدانها وعلى شعوبها ..من هنا نستنتج بان مسألة الحرية والديمقراطية ليست الا ذريعة ذريعة وخدعة للتغطية على المشروع الامبريالي الكبير وهو تفتيت العالم العربي واثارة الفتن والحروبات داخله وبالتالي السيطرة على مقدراته الاقتصادية والسياسية ومن المؤسف ان تنساق العديد من الفئات خلف هذه البدعة التي لا تقود نحو الديمقراطية بل أنها تؤدي الى تفتيت الأوطان وضياعها .
نحن ندرك تماما ان الشعوب العربية بحاجة للحرية والديمقراطية لتكوين مجتمع مدني معاصر..لكن لا يمكن تجسيد هذه الديمقراطية عن طريق تدمير بنية الدولة وتفكيك مفاصلها وزجها في أتون الاقتتال الداخلي كما حصل ويحصل في بعض البلدان..
الكثير يتهم الأنظمة بأنها هي سبب التأزم الحاصل وحتى لو وافقناهم إلا ان هناك الكثير من الإشارات والممارسات التي تدلل على ان قوى أجنبية تقف خلف ما يسمى بالثورات العربية .. فالوضع السوري اكبر برهان على تدخل القوى الخارجية لضربها وتفكيكها وتقويض بنيتها ودورها تحت غطاء الديمقراطية والحرية خاصة ان الدول الخليجية التي تتذرع بالحرية ابعد من تكون عن الحرية والديمقراطية فليس لها شأن من قريب أو بعيد بالمسألة الديمقراطية.. وعاطفتها لا تقطر على حرية الشعب السوري بل انها تنفذ وبشكل واضح مشروع اجنبي كبير خاصة وانها اصغر من ان تبادر او تقود مشروع لوحدها .
الولايات المتحدة وضعت كل قدراتها لاسقاط النظام السوري ونسف حلف الممانعة والمقاومة كونه الحلف الذي يقف عائقا أمام تجسيد المشروع الأمريكي الرامي الى السيطرة الكاملة على الشرق الأوسط ورأت بشماعة الحرية والديمقراطية هي الانسب لتعليق ذرائعها عليها وهنا من حقنا ان نسأل .. أين كانت "ديمقراطية" أمريكا عندما احتلت العراق ومزقته ونهبت ثرواته وأين غابت الحرية عندما كانت تحرق وتمزق أجساد أطفال غزة ولبنان ؟
وعليه فان ما هو مطلوب منا جميعا .. ان نقف ونراجع قراءات المشروع الامريكي ونحاول الربط بين ما هو حاصل الان وبين التصريحات الأمريكية والصهيونية والتي اشارت وتشير الى القلق والخوف من بقاء مشاريع ممانعة ومقاومة في المنطقة فالقضاء على هذه المشاريع سيزيل العوائق أمام الإستراتيجية الأمريكية والإسرائيلية بالمنطقة .
علينا ان نختار في المسألة السورية إما التخندق مع اسرائيل وامريكا وعملاء الخليج وإما الدفاع عن سوريا ووحدتها وشعبها بوجه واعتقد ان الديمقراطية لا يمكنها ان تأتي على متن الدبابات الأمريكية ولا يمكنها ان تفرض من الخارج ..الديمقراطية هي نتاج لعملية مدنية تصحيحية يقودها الشعب بأسلوب واعي وراقي وليس بعصبية الانتقام .. فالاجني لم يكن يوما حريصا على حرية وديمقراطية الشعوب الأخرى بل ان موجهه الرئيسي هي مصالحة الاستراتيجية .. ومهما حاول ابتداع المسببات والذرائع الا ان الأهداف المركزية والكبرى لتغنيه بالحرية تبقى مجرد أكاذيب لاستقطاب الشعوب العربية وتبرير تدخله السافر في شؤون تلك الدول وفي النهاية تفتيتها وتدجينها في حظيرته . |