سوريا .. الهدف زلزلة العمق الاستراتيجي العربي
د.عدنان بكرية
مسلسل الإحداث المؤلم والمستمر في سوريا والتطورات الجارية على مستوى التفاعل العربي مع الأزمة هناك ومحاولات تدويل القضية وفتح الأبواب أمام تدخل أجنبي بهدف الهيمنة على سوريا ودورها الممانع في المنطقة..يدعونا لقراءة الوضع بعمق وتروي دون الانسياق وراء العاطفة والشعارات الهوجاء.. فنحن حريصون كل الحرص على مصالح الشعب السوري وكل الشعوب العربية ومصرون كل الإصرار على تنفيذ الإصلاحات اللازمة والتي باتت حاجة سورية ملحة وإعطاء الشعب حقوقه الديمقراطية وإشراكه في صنع القرار .. لكننا وفي نفس الوقت حريصون أيضا على ان لا تتحول المطالبة بالإصلاح إلى مطالبة بتفكيك سوريا واستجلاب أدوات خارجية بهدف تغييب سوريا عن المشهد السياسي وعن دورها الإقليمي الذي يؤرق الغرب وأعوانه في المنطقة .
العالم العربي بات منقسما إزاء ما يحدث في سوريا والجامعة العربية أثبتت انحيازها التام للغرب بتعليقها عضوية سوريا وتهديداتها المستمرة وفي كل يوم تتكشف خيوط المؤامرة التي تمتد من الخليج الى البيت الأبيض مرورا بتركيا وتل أبيب واجزم بان التدخل العسكري قد بدأ ودخل حيز التنفيذ من خلال العمليات النوعية التي تنفذها العناصر المسلحة هناك ضد قوى الأمن والمرافق الحيوية في سوريا بناءا على ما تورده وسائل الإعلام .. فقد بات واضحا ان الغرب وبمساعدة بعض الدول العربية تحاول خلق توازن امني بين المتمردين وقوى الجيش السوري من اجل خلط الأوراق وخلق حالة من البلبلة وإحداث شرخ وانقسام واسع في المجتمع السوري وبالتالي ارضاخ سوريا واجبارها على القبول بكل ما تطرحه على الطاولة وفي مقدمتها تنحي الرئيس السوري بشار الأسد .
الصراع الدائر هناك ليس داخل سوريا وليس صراعا سوريا سوريا بقدر ما هو صراع على سوريا ودورها الإقليمي الممانع والداعم لقوى المقاومة ..وانا متيقن من انه لو أقدم الرئيس الأسد على إبداء مواقف منسجمة ومتجانسة مع مواقف الغرب لانتهت الأزمة السورية ولأعيد تسويق النظام السوري من جديد وبقوة اكبر ..وهذا ما تطرحه قطر على ايران وبشكل دائم .. فالصراع هو صراع بين التبعية والاستقلال وبين محور الاعتدال ومحور الممانعة وما محاولة الغرب والعرب وضعه تحت سقف الديمقراطية الا حجة للانقضاض على سوريا ودورها وتأليب الشارع السوري ضد نظام الحكم هناك وبالتالي قلب نظام الحكم .
سوريا تمر اليوم بمرحلة خطرة وحساسة للغاية الأمر الذي يستدعي وقوف كل القوى الشريفة في الوطن العربي والعالم الى جانبها ليس حبا بالنظام السوري بل لان الخطر القادم يستهدف العالم العربي وشعوبه عبر البوابة السورية .. فلو قدر وانهارت سوريا فهذا يعني زلزلة العمق الاسترايجي العربي وهيمنة الغرب على المنطقة العربية وبالتالي فرض الأجندات الإسرائيلية والأمريكية على العرب وبالتحديد على فلسطين ولبنان .. والخطر الأكبر الذي نواجهه هو انتقال بعض الزعماء العرب الى حالة التبعية المطلقة والعمالة المكشوفة للغرب وأصبحت هذه الأنظمة أداة بيد الغرب لتنفيذ استراتجياته في المنطقة .
الكثير يعيب علينا الوقوف الى جانب سوريا وكأن دفاعنا عن سوريا يعني دفاعا عن "الديكتاتورية" ضد الشعب دفاعا عن "إراقة الدماء" وعن القتل .. لكن دفاعنا عن سوريا ينطلق من قواعد عديدة وفي مقدمتها . أين تقف امريكا واسرائيل مما يحدث في سوريا وأين دورهما في محاولة إسقاط دور سوريا ونسف محور الممانعة الذي تقف في مركزه سوريا .. نحن مع سوريا ونهجها القومي وسلوكها الممانع وفي نفس الوقت مع الشعب السوري المطالب بحقوقه الديمقراطية..لكننا نرفض أن نتخندق مع نتنياهو واوباما ومشايخ الناتو في الخليج العربي الذين تآمروا وما زالوا يتآمرون على الأمة العربية وانتقلوا اليوم من مرحلة التآمر الى مرحلة التخريب وتمزيق الأوطان تحت بدعة الحرية والديمقراطية .. وهم أبعد ما يكون عن الحرية ومصالح الشعوب وآخر من يحق له التحدث بهذه الأمور !
وعليه فان ما هو مطلوب وقبل اتخاذ المواقف أن نحدد الجهات التي لها مصلحة في انهيار سوريا وتفككها والجهات التي تجيش الرأي العام العالمي ضد سوريا
بات واضحا ان سوريا تتعرض لمؤامرة يقودها الغرب وينفذها بأدوات داخلية خاصة بعد الاعترافات المتعددة لأعضاء العصابات وكان آخرها اعتراف الضابط المنشق (حسين هرموش) والذي ساق في حديثه الخطط الارهابية الموضوعة لزعزعة الأمن في سوريا وصولا الى اسقط النظام .. باعتقادي ان هذه الشهادة وحدها تكفي لكشف دور الغرب في تفكيك سوريا ..بات واضحا أيضا ان الغرب لم يدخر جهدا دبلوماسيا واعلاميا الا وسخره في هذه الحرب .. الفضائيات الخليجية تجندت بكل قواها لقلب الحقائق وتأليب العالم ضد سوريا .. الإمكانات المادية واللوجستية وضعت تحت تصرف من يسمون نفسهم "بثوار سوريا" وجاءت اعترافات بعض قوى المعارضة لتفضح الدور الغربي والعربي في هذه المؤامرة .. لكن المصيبة إننا لا نريد أن نصدق سوى الأبواق العربية الخليجية التي تخدم أمريكا وأعوانها في المنطقة .. ولا نريد ان نسمع الرواية الأخرى .. فبات الإعلام الخليجي هو الموجه والمجيش برغم عدم حياديته وانحيازه التام للغرب وليس للشعب السوري كما يدعي .. فكم من رواية ساقها الاعلام الخليجي تم تكذيبها من قبل أهالي الضحايا الذين سقطوا برصاص العصابات الارهابية المنتشرة في سوريا .. وكم من أكاذيب تم دحضها بالبث الحي والمباشر من داخل سوريا ..
نحن ندافع عن سوريا ودورها ومستقبلها.. ودفاعنا ليس عن النظام السوري بقدر ما هو دفاع عن وحدة سوريا ودورها القومي والوطني ودفاع عن مستقبل الشعب السوري ووحدته .. فتجاربنا مع الغرب مريرة للغاية ..وعاطفة هذا الغرب لا تقطر على الشعب السوري ولا على الشعوب العربية ونجزم أيضا بان الغرب ليس حريصا إطلاقا لا على الديمقراطية ولا على الحرية .. فهو نفسه يدعم الأنظمة الدكتاتورية في الخليج وهو نفسه داس على كرامة الأمة العربية باحتلاله للعراق وليبيا وهو نفسه الذي ساهم بحصار غزة وقتل أطفالها مرضا وجوعا وحرقا وهو نفسه الذي يدعم العدوان الإسرائيلي المتكرر على الشعب الفلسطيني ويدوس على كرامة هذا الشعب وآخرها قراره باستخدام "الفيتو" ضد إعلان الدولة الفلسطينية في أيلول .. كل هذه الأمور والمعطيات يجب ان تدفعنا الى رفض التدخلات الامريكية بالأحداث وحتى رفض "حشر انفه" بهذه الأحداث لان وقوفه الى جانب "الانتفاضات" العربية اسقط عنها صدقيتها وأصبحت هذه الانتفاضات حاجة أمريكية قبل ان تكون حاجة شعبية عربية .. فامريكا والتي حاولت بشتى الطرق السلمية والحربية إلغاء الدور القومي العربي ونسف محور المقاومة الذي يقف عثرة على طريق تجسيد مشاريعها .. تحاول اليوم وعن طريق التغلغل لشرايين الشعوب العربية وخلط الوراق بتجسيد حلمها بالشرق الأوسط الجديد والكبير .
فمسيرة الإصلاح التي بدأها الشعب السوري تحولت وبفضل اختراقها من قبل عناصر خارجية الى مسيرة لهدم وتفكيك سوريا ... اذ كيف بامكاننا تفسير دعوة بعض عناصر المعارضة بالتدخل الأجنبي وعسكرة التظاهرات ؟ وكيف بإمكاننا أن نقبل بالتدخل الخارجي والذي سيقضي على طموحات الإنسان السوري والعربي ويهدر كرامة المواطن .
عندما نتحدث عن الحالة السورية علينا ان نجيب على سؤال واحد .. من هو المستفيد من تفكك سوريا ؟ وفي صالح من سيصب انهيار سوريا
أي ديمقراطية هذه التي سترسيها دبابات وطائرات الاحتلال ؟.. فالاحتلال هو احتلال ليس هناك احتلال بغيض واحتلال جيد.. فالاحتلال لمن لم يجربه هو المحاولات الدائمة للدوس على كرامة الشعوب ناهيك عن نهب وسلب ثروات البلد .. ومن يحاول استجلاب الاحتلال عن طريق التدخلات تحت مسميات متعددة يساهم في هدم بلده وزج شعبه في قفص الظلم والعبودية .. الاحتلال هو نقيض الديمقراطية .. لا بل هم مقبرة للديمقراطية والحرية .. فمتى تعي شعوبنا حجم المؤامرة ؟!
|