عرب ال 48 ومظاهرات الشارع الاسرائيلي .. موقف ضبابي وتأتة غير مبررة !
د. عدنان بكرية
منذ اندلاع ما يسمى بمظاهرات "العدالة الاجتماعية " في الشارع الاسرائيلي والشارع العربي يتخبط ما بين مؤيد ومعارض لمشاركة فلسطيني ال 48 في هذه التظاهرات والاعتصامات ..كل ينطلق من مواقفه الأيدلوجية وتركيبته الحزبية ..فالأحزاب التي تؤمن بالشراكة اليهودية العربية متحمسة للمشاركة الفاعلة والواسعة في هذه التظاهرات .. في حين يقف على الجانب الآخر أحزاب وشخصيات ترى بأن هذه التظاهرات لا تعني الشارع العربي خاصة وانها لم تخرج عن دائرة الإجماع الصهيوني والمشاركة بها تعني الانضواء تحت خيمة المطالب الصهيونية .
الحقيقة التي يجب تسجيلها بان المشاركة لن تزيل الغبن عن كاهل الفلسطينيين هنا والعدالة الاجتماعية التي ينادي بها المتظاهرون هي عدالة مقتصرة على الشارع اليهودي ولا تمس الشارع العربي رغم أن اكبر المتضررين من سياسة التمييز العنصري وغياب العدالة هم الفلسطينيين العرب ممن يعيشون داخل اسرائيل ..
الشارع اليهودي يعرف تماما إن العرب هم الأقدر على تحريك المظاهرات كونهم تتلمذوا في الهبات والمناسبات الوطنية..وبرغم هذا فقد تم استثناءهم من اللجنة التي تقود التظاهرات لأن الشارع اليهودي لا يريدهم في هذه المعركة إيمانا منه بان وجود العرب سيسيء لأهداف ورسالة المظاهرات وسيضفي عليها الطابع السياسي ..أما الأهم هو فيروس العنصرية المعشش في عقول وأذهان أبناء المجتمع الإسرائيلي والذي لا يريد أي شراكة مع العرب حتى لو تجانست المصالح وتقاطعت الأهداف .
ضبابية لجنة المتابعة
لجنة المتابعة العليا والتي تعتبر نفسها القيادة العليا لفلسطينيي ال 48 اجتمعت وأصدرت بيانا ضبابيا لا ينم عن موقف مسئول ولا يفهم منه سوى ان هناك خلافا عميقا حول المشاركة في هذه التظاهرات وتحدث البيان عن ضرورة تشكيل لجان شعبية في كل قرية ومدينة عربية من اجل المشاركة دون الإشارة الواضحة الى نوعية المشاركة وشكليتها .. خيرا فعل رئيس اللجنة محمد زيدان عندما صرح لوكالة معا " إن العرب في اسرائيل "لن يضعوا بيضهم في سلة المتظاهرين اليهود"، لان ظروف ونضالات الجماهير العربية تختلف عن حركة الاحتجاج اليهودي التي تنتشر في المدن اليهودية في اسرائيل، حيث أنهم لن يدخلوا الخيام اليهودية
لكن لماذا غاب هذا الموقف عن بيان لجنة المتابعة .. أم ان هناك لغتين يتحدث بهما رئيس اللجنة .. لغة داخلية إمام الأطر ولغة خارجية أمام الإعلام ؟!
تعودنا على مثل هذه البيانات التي تحترق رسالتها في وهج الخلافات القائمة بين الأحزاب وتعودنا على بيانات المداراة والمحاباة والتوافق كما يسميها البعض ..ولم ننتظر أصلا من لجنة المتابعة أكثر من هذا.. كونها لم تكن يوما معبرة عن تطلعات الشارع الفلسطيني بل كانت أداة لتمرير الأهداف الفئوية للأحزاب المشاركة وهنا لسنا بصدد مراجعة المواقف السابقة لهذه اللجنة بل نحن بصدد الإشارة الى الأمور التي تجعلنا نحجم عن المشاركة في هذه المظاهرات وأولها
لنا أسبابنا للرفض
اولا - ان غياب العدالة الاجتماعية ليس وليد اليوم ولا تحدده ارتفاع أسعار السلع والمساكن , بل هذا الغياب قائم منذ إقامة الدولة العبرية واحتلال فلسطين.. والفلسطينيون هنا هم أكثر المتضررين من سياسة التمييز العنصري التي تطول كل أشكال الحياة والوجود.. وقبل أن نستنفر الشارع العربي من اجل تأمين السكن وتخفيض أجرته علينا ان نستنفر شارعنا لإزالة الغبن اللاحق بنا من جذوره وليس معالجة الظواهر الهامشية.. مثل تضييق الخناق على القرى والمدن العربية وحرمانها من أدنى المقومات وإمكانات التوسع والتطور أسوة بالقرى والمدن اليهودية ..اذا تبقى مشاركتنا وان وجدت أصلا مقتصرة على تحقيق العدالة الاجتماعية للشارع اليهودي ولن تمس صلب مطالبنا الحياتية وظروفنا العصيبة التي ولدت مع ولادة الاحتلال .
ثانيا - عندما نتحدث عن العدالة الاجتماعية فيجب ربطها مع الاحتلال والذي هو السبب الرئيسي لغياب العدالة وعلينا ان نربطها بالعقلية الصهيونية المتعالية والمتغطرسة والتي ترقص أصلا مشاركة عرب ال 48 في هذا المظاهرات وحتى انه تم استناءهم من اللجنة المفاوضة التي شكلها نتنياهو للحوار حول الخروج من الأزمة .. هذا التحييد والتهميش والاستثناء كان يجب ان يحفز العرب هنا على إعلان مقاطعة المظاهرات اليهودية وبالمقابل إقامة اعتصامات داخل المدن والقرى العربية لتذكر العالم والرأي العام بمدى الغبن والاضطهاد الذي يلحق بالفلسطينيين هنا .
ثالثا - برغم مطالبتنا الدائمة بالعدالة الاجتماعية الا ان بعض ما يرفعه المتظاهرون اليهود من مطالب ..كايجاد حل سريع لازمة السكن سيكون على حساب العرب ومصادرة المزيد من أراضيهم لبناء تجمعات سكنية لليهود .. فقد سارع نتنياهو وفي إطار احتواء أزمة السكن الى الإعلان عن بناء آلاف الوحدات السكنية في القدس .. اذا العدالة الاجتماعية والإصلاحات التي يطالب بها الشارع اليهودي ستكون على حساب الشارع العربي ..من هنا فيجب علينا ان نكون حذرين من المطالب التي ترفع وان لا نرددها دون ان ندرك خطورتها علينا .
عملية عسكرية للخروج من الأزمة
كل المؤشرات تدلل على ان حكومة نتنياهو ومن اجل الخروج من أزماتها السياسية والاقتصادية ستقدم على عملية عسكرية فالمظاهرات التي تجوب الشوارع باتت تهدد بقاءه حكومة نتنياهو في سدة الحكم ..واذا استمرت هذه التظاهرات سيجد نفسه خارج معادلة الحكم في ظل تهديدات باقي الأحزاب بفك الائتلاف الحكومي .. الطريق الأسهل للخروج من هذه الأزمات هو افتعال حرب وانجاز نصر حتى لو كان صغيرا من اجل إسكات الشارع الإسرائيلي المطالب بتحسين الأوضاع الاقتصادية ومن اجل نسف الاعتراف المحتمل بالدولة الفلسطينية في أيلول .
الظروف العربية المتأزمة وبالتحديد الأوضاع الأمنية المأزومة في سوريا تشجع نتنياهو بالإقدام على مغامرة عسكرية مستغلا انشغال العالم العربي بثوراته ومن اجل إخراج اسرائيل من عزلتها الدولية .. هكذا تعودنا على قادة الاحتلال |