أين تبخرت المصالحة الفلسطينية ؟!
د.عدنان بكرية
منذ أن وقعت الأطراف الفلسطينية على وثيقة المصالحة في القاهرة قبل أكثر من شهرين أبدينا تحفظنا من ان هذا التوقيع لم يكن إلا لمجاراة ومواكبة المتغيرات الدولية والعربية ومحاولة لتنفيس غضب الشارع الفلسطيني الذي سئم ومل من سلوك الفصائل الفلسطينية وتلاعبها بمشاعر وتطلعات الشعب الفلسطيني .. فكل المؤشرات كانت تدلل على ان هذه المصالحة لن يكتب لها النجاح في ظل تداخل عوامل عديدة داخلية وخارجية وفي ظل عدم تجانس الأطراف الموقعة على اتفاق المصالحة والاهم غياب أسس وقواعد المصالحة حتى الآن.
الشارع الفلسطيني تساءل حينها وبحق عن تفاصيل الاتفاقات التي وقعت وعن نقاط التوافق والخلاف وعن إمكانية ترجمتها على ارض الواقع .. وقلنا بان مصالحة تبنى على قاعدة تقاسم الكراسي لن تكن بصالح الشعب الفلسطيني وطموحاته ولن ترتقي الى مستوى التحديات التي تواجهه .. صمتنا إزاء اعلان المصالحة ولم نعارضها برغم ادراكنا لحتمية فشلها ..لأننا لا نريد أن نكون عاملا من عوامل التفرقة الفلسطينية ولا نريد أن نحسب على دعاة التفرقة بالشارع الفلسطيني .. وبرغم إدراكنا التام بان هذه المصالحة لم تكن إلا لجبر خواطر أبناء الشعب الفلسطيني ..إلا أننا حذرنا من أن فشلها سيكون أكثر خطورة على نفسية الانسان الفلسطيني وعلى القضية الفلسطينية ومستقبلها .
عندما نتحدث عن المصالحة علينا أن ندرك نوضح بأن المصالحة يجب أن تتم على أساس برامج وأجندات ومشاريع وليس على أساس كراسي ومناصب ووزارات.. وهذا ما افتقده اتفاق المصالحة والذي راوح وما زال يراوح بين شخوص ومناصب ومراكز دون التطرق الواضح والصريح الى البرنامج المستقبلي للشعب الفلسطيني وكيفية إدارة الصراع مع الاحتلال ... دون التطرق الى القضايا الراهنة التي تواجه شعبنا ودون الإشارة الى الموقف منها !
لقد ظنت الأطراف المتصارعة على الساحة الفلسطينية وبالتحديد فتح وحماس بأن مجرد فرقعة بالون المصالحة قد يخدع الشارع الفلسطيني ويجعله يلتف حول القيادة لتمرير مشاريعها وأجنداتها كاستحقاق أيلول..كذالك رأت السلطة الفلسطينية بالمصالحة مظلة للمضي قدما في برنامج التسوية والمفاوضات وكسب الغطاء الشرعي من حركة حماس.. واستطاع الطرفان خداع الرأي العام الفلسطيني لفترة وجيزة ..لكننا ونحن اليوم نقف أمام منعطف في تاريخ القضية الفلسطينية من حقنا أن نطالب الأطراف بالكشف عن تفاصيل ما اتفق عليه في القاهرة وبالتحديد فيما يخص التسوية مع الاحتلال وفيما يخص قضية اللاجئين وفلسطينيي ال 48 .. وقلقنا ينبع من التصريحات المتعددة التي تصدر عن قادة الاحتلال والتي تدلل على ان هناك مخطط لنسف بعض الثوابت الفلسطينية مقابل دويلة مقطعة الأوصال .
لقد أثبتت الفصائل الفلسطينية عجزها وعدم قدرتها على التماشي مع إرادة ونبض الشارع الفلسطيني.. فاذا كانت المصالحة الفلسطينية وكما تدعي الفصائل جاءت كتلبية لرغبة الشارع الفلسطيني .. فمن حق هذا الشارع اليوم المطالبة بكشف أوراق المصالحة وتفاصيلها ومن حقه أيضا معرفة من هو الذي يقف وراء إجهاضها ومن حقه محاسبة الفصائل على عبثها وتلاعبها بقضايا مصيرية كقضية المصالحة وثوابت وطنية كحق العودة والاعتراف بيهودية الدولة وغيرها من القضايا التي باتت تطحن في الغرف المغلقة للفصائل .
رهانات السلطة الفلسطينية على المفاوضات ما زالت قائمة .. وهذا يبدو جليا من خلال اللقاءات السرية التي تعقد بين بين الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي .. وما نخشاه حقا وتحت الضغوط الدولية وبالتحديد الأمريكية ان ترضخ السلطة للاملاءات الاسرائيلية وتقبل بالتبادل السكاني والاعتراف بيهودية الدولة وهذا يعني نسف حق العودة وفقدان شرعية مليون ونصف المليون فلسطيني في مناطق ال 48 .. ما نخشاه حقا ان يدفع اللاجئون وفلسطينيو ال 48 ثمن التسوية المحتملة والمقترحة من قبل الاحتلال .
ان ما هو مطلوب تحرك سياسي دبلوماسي لشعبنا وبالتحديد لفلسطينيي ال 48 لمنع السلطة من الوقوع في المطب الاسرائيلي والقبول بتسويات على حساب أبناء شعبنا هناك .. والمطلوب اكتر ان تقف القوى السياسية في مناطق ال 48 والضفة وغزة والشتات في حلف متراص ومتماسك بوجه هذا المخطط اللعين والذي لا يقل خطورة عن نكبة 48 .. فلا يعقل ان يبقى الشارع الفلسطيني صامتا إزاء دوس حقوقه والتنازل عن كينونة جزء منه .
الأيام القادمة ستكون حبلى بالمفاجآت وسواء تصالحت فتح وحماس أو لم تتصالح .. وهذا أمر لا يقدم أو يؤخر .. سواء تقاسموا الكعكة أم لم يتقاسموها تبقى الحقيقة الكبرى .. ان القوى السياسية الفلسطينية وان وقعت في الشرك الاسرائيلي ستجد نفسها خارج حلبة القيادة وفاقدة لشرعيتها السياسية والتمثيلية. |