تداعيات الاوضاع في سوريا
د.عدنان بكرية
قبل ان ننجرف بتأييد الثورات العربية ليس لشيء انما بسبب حبنا للحرية والديموقراطية ..علينا أن نتيقن من الهوية السياسية والاجتماعية لتلك الثورة .. ونحاول إيجاد أجوبة كافية على تساؤلات متعددة
التساؤل الاهم، ما هو مستقبل سوريا، وفق عدم وجود برنامج سياسي وطني واضح؟..هل ستدخل بصراعات الأحزاب أم في أتون حرب أهلية، لا تبقي ولا تذر، أم ستعم الفوضى المدمرة للحرث والزرع؟
الأهم في معادلة التأييد أن ندرك ونستقري الخلل الاستراتيجي السلبي الذي سيحدث لو دخلت البلاد في المجهول والمتوقع وفق أجندات خارجية.. وان نحاول استقراء واستشراف الهيكل السياسي القادم فيما لو تغير النظام.. وهل سيحافظ النظام القادم على الثوابت الوطنية والقومية أم انه سيلتحق بركب أمريكا تحت مسميات متعددة .
كلنا ندعو للاصلاح ونرفض إراقة الدم .. نريد للشعب العربي أن ينعم بالحرية والديمقراطية.. لكن علينا ايضا ان نفرق بين النماذج الثورية القائمة اليوم في العالم العربي ولا يمكننا وضعها في سلة واحدة .. فهناك اختلاف كبير بين النموذج المصري والتونسي واليمني وبين النموذج السوري والليبي .. ففي مصر وتونس اندلعت الثورة ضد أنظمة عميلة أهدرت كرامة الإنسان العربي وأفقرته وداست على قيمه الوطنية والقومية.. واعتمدت هذه الثورات على طاقاتها الوطنية البحته ولم تعتمد على دبابات وطائرات النيتو ... هدفها التحالف مع الشيطان من اجل التخلص من شيطان صغير !
سوريا ..
نعم .. الشعب السوري بحاجة للاصلاح ولمزيد من الحرية .. بحاجة للديموقراطية الوطنية.. لكن الوضع السوري مقلق جدا من حيث الانعكاسات والتداعيات التي ستحدث فيما بعد ..ومبعث القلق الخلل الاستراتيجي الذي سيزلزل العمق العربي .. والذي بالضرورة سينعكس سلباً على المقاومة، وتفكيك محور الممانعة الذي يقف عائقا امام تجسيد المشروع الاستعماري الأمريكي والإسرائيلي
تعرض سوريا إلى توتر سياسي وعدم تماسك الجبهة الداخلية وتفككها، لحقبة قد تطول أو تقصر، سيعطي أمريكا الفرصة الذهبية للسيطرة على بلاد الشام، وبالتالي تغلغل الموساد واستفراد اسرائيل، وبالتالي إقامة شرق أوسط جديد تابعا لها وهذا سيجر الى انهيار مشروع التحرير الوطني الفلسطيني واللبناني وهيمنة اسرائيل على تقرير مصير المنطقة .
من هنا تزداد الهواجس والمخاوف.. ومن هنا نجزم ان هناك اياد خفية تسللت بين المتظاهرين السوريين المطالبين بحقوق مشروعة ومحقة لإثارة الفوضى وإسقاط الدور القومي لسوريا .. وهذه الأيادي ليست غريبة .. إنما أياد عميلة داخلية وخارجية عربية وأجنبية .. هدفها تغذية الشعب السوري بشحنات الحقد والطائفية.. وحرف الثورة عن مسارها الإصلاحي .. لتتحول ميادين المظاهرات الى ساحات قتل وسفك دماء .
لا نعفي النظام السوري من المسؤولية ... ولا يمكننا ان ندافع عن القتل اليومي الحاصل من الطرفين.. لكننا وفي نفس الوقت نتهم الإعلام والفضائيات العربية التي تأتينا بأنصاف الحقائق.. وأحيانا تفبرك الروايات لان هدفها ينسجم مع هدف النظام الذي تمثله تلك الفضائية وهو إسقاط النظام السوري تلبية للرغبة الأمريكية.
بعض الكتاب انساقوا وراء الروايات الخارجة من تلك الفضائيات وأصبح النظام السوري بنظرهم "بعبعا" وهم الذين دافعوا عنه قبل أشهر وهم الذين تغنوا بصموده وممانعته وتأييده ودعمه للمقاومة العربية.. لا يمكن وبهذه السهولة ان نبصق على تاريخ الدولة السورية، التي اقلقت العدو والخصم ووقفت الى جانب قضيتنا الفلسطينية وقضايا الشعب العربي التحررية بصلابة وثبات .
يطالبوننا بتأييد ودعم المطالب الشعبية.. ونحن اشد المؤيدين لمطالب الشعب السوري فلولا صبر وجلادة هذا الشعب لما تمكن النظام من دعم قضيانا .. لكن من حقنا أن نطالب برؤية سياسية اجتماعية لهذه الثورة ومن واجبنا أن ننبه الى خطورة الجهات المدسوسة التي لا يهمها مصلحة الشعب السوري ولا استقرار سوريا .. ومن واجبنا ان نستقرئ مستقبل سوريا والمنطقة في ظل غياب أجندات قومية ووطنية مقاومة ..من واجبنا أن نتمحص بالروايات التي تطلقها الفضائيات ليس من اجل خدمة النظام السوري بل خدمة للشعب السوري الذي أصبح عرضة للمؤامرات الخارجية والداخلية على حد سواء.
سوريا ستجتاز أزمتها وستخرج من أتون المخطط لها اقوى.. وسيكشف التاريخ حقائقا عديدة ستبقى عبرة للأجيال القادمة وللتاريخ
|