الاسرى عامود خيّمة القضيّة
صادق القضماني
إن الاسرى على مدار سنوات طويلة، رسخوا في معركة الوعي مدرسة نضاليّة خاصة، وعلى هذا الأساس فإن قضيّتهم يجب أن تكون قضيّة شرفاء الأمة.
نقرأ بين حين وآخر لغة إحباط ترتكز على أن مسيرة الحركة الأسيرة وتضحيّاتها في فلسطين ذهبت هباءا، إذ يعتمد مروِّجوها على الجانب السلبي في واقع الحال الذي تمر به منطقتنا، بالاضافة للهرولة المطيعة للتطبيع والتبعيّة من قبل بعض أنظمة الدول العربيّة، وهذا كلام حق يراد فيه باطل من حيث جوهر الحقيقة.
الحقيقة التي يجب التركيز عليها، هي الوجه الايجابي في نتائج مسار النضال من خلال المشهد الأخير في فلسطين، امام تضحيّات مئات آلاف الاسرى الفلسطينيين والجولانيين.
هذا العنفوان الشبابي، الذي نراه هذه الأيام يشكل ذهنيّة تراكمت فيها قواعد الاشتباك المحقة، وتختزل ما زرعه كل أسير في بيئته، هو نضال لا يمكن هزيمته، فهو نتاج تجارب نضاليّة منذ عشرات السنوات، عاشها الشعب الفلسطيني على امتداد دولته التاريخيّة، إضافة لما خرجته المعتقلات من قادة فصائل، أمناء عاميين، مفكرين، مثقفين، مقاومين وهم عصب النضال، وهم النموذج.
135 ألف حالة اعتقال منذ توقيع اتفاقية "أوسلو "، من بينهم قرابة 20000 طفل و 2500 سيدة وفتاة، اضافة لاعتقال نصف اعضاء المجلس التشريعي (البرلمان الفلسطيني) وعدد من الوزراء ومئات الأكاديميين والصحفيين.
أما عدد الاسرى في سجونها ومعتقلاتها اليوم نحو 4650 اسير موزعين على قرابة 23 سجنا ومعتقلا ومركز توقيف، بينهم 180 طفلا و32 سيدة وفتاة و743 معتقل اداري واكثر من 600 اسير يعانون امراض مختلفة بينهم 23 اسيرا مصاب بالسرطان وأكثر الحالات المرضيّة خطورةً الاسير ناصر ابو حميد. هذا بالاضافة الى وجود 551 من بين الاسرى يقضون احكامًا بالسجن المؤبد (مدى الحياة) لمرة واحدة او لعدة مرات.
لهذا، إن الأسرى عامود خيمة القضيّة، في فلسطين والجولان، يشكلون نبض الأمة وروح النضال فيها، فقد قدموا سنوات شبابهم وعمرهم تضحيّة لأجل الحرية.
إن قضيّة الاسرى ليست قضيّة الأسير، هي قضيّة مجتمع بكامله، إعتقدَ العدو الإسرائيلي، بأن جعل المناضل أسير سيقضي على أحلامه وينهك عزيمته، ولم يفهم ان الأسير سيصبح نموذج مؤثر بشكل مباشر في بيئته، فالسجون مدرسة للأسرى، ومراكز توجيه وطنيّة مباشرة وغير مباشرة للمجتمع، فكل أسير لديه عائلته الصغيرة، وعائلته الكبيرة، وجميع الاسرى يشكلون مجتمع كامل، حين يزور الاهالي أبنائهم الاسرى يمدونهم بالأمل، الارادة والصبر ويعود الأهل مشحونين بالعزيمة، وليس العكس، وفي سياق اخر، فقضيّة الاسرى أيضاً سبب عاطفي عند الأخ والأخت وابن العم والصديق للغضب وتلبيّة الواجب في اي انتفاضة او هبة بوجه المحتل.
ويضاف الى ذلك حقيقة أن الأسرى يبقون في حالة النضال المستمر داخل السجون، يصنعون يومهم وغدهم بتطوير تفكيرهم وتقوية عقيدتهم والبحث عن أساليب نضال من داخل الزنزانة.
نعم، السجون مدرسة نضاليّة وتثقيفيّة، يدخلها المناضل قسرا لتحطيمه، فيخرج منها مثقف واعي، ملتزم صاحب رأي وتجربة، يتحرر وهو أكثر عزمّا، فهو رهينة تراكم وعيّه وقضيّته، حتى السجين المؤبد الذي يعيش داخل زنزانة لا ضوء شمس يدخلها، يبقى حالمٌ، أعتقد يقينّا أنه يجلس ساعات يفكر بالغد والمستقبل بأمل ونور يضيء فيها عتمة زنزانته، فالسجين السياسي مؤمن بعدالة قضيّته وبشعبه، ووجوده في الأسر يشكل جزء من تتمة نضاله ومواجهته للمحتل، فهو المقاوم الذي لم يخف الموت والشهادة فكيف سترهبه الزنزانة.
نعم، الاسرى عامود خيّمة القضيّة، ففي كل بيت أسير وربما إثنان أو ثلاثة، أو أكثر.
حتى الحرية .. حريتهم وحرية وطنهم.
|