الحلم الذي تحول إلى حقيقة
في سنة ١٩٧٢ من القرن الماضي كتبتُ وصفا "دقيقا" لزيارةالرئيس المصري محمد انور السادات إلى القدس والتي قام بها فعليا في سنة ١٩٧٧ اي بعد خمس سنوات بعد تاريخ وصفي للزيارة . اقول وصفا دقيقا لاني حتى ذلك الوقت لم ازر القدس سوى مرة واحدة وتعرفت على عدد من الشوارع هناك في الشطرين العربي والغربي. الوصف الذي كتبته كان باللغة العبرية وهو عبارة عن موضوع إنشاء لامتحان البجروت في مادة اللغة العبرية.. (اتمنى ان يكون موضوع الإنشاء محفوظا في مدرسة يني الثانوية في كفرياسيف، التي درست فيها المرحلة الثانوية).
موضوع امتحان الإنشاء باللغة العبرية الذي طُلِب منا الكتابة عنه هو" ويكون ان يتحقق السلام في منطقتنا".
عندما بداتُ بالكتابة تخيّلتُ نفسي في القدس وفي الشوارع التي كنت اعرفها والقريبة من الجامعة العبرية ومبنى البرلمان الإسرائيلي " الكنيست" وتخيّلت ان القدس تشهد حدثا تاريخيا لم يكن احد يتصور ولو للحظة واحدة ان يحدث..
المهم انني تخيلت نفسي شاهد عيان على تلك الزيارة ووقفت مع الكثيرين الذين اصطفوا على جانبي الشارع لمتابعة سيارة الرئيس المصري وهي تمر امامهم متوجهة الى الكنيست..
في نهاية الموضوع كتبت: "
رايت الجميع يصفقون ولكن عندما بدات انا بالتصفيق ارتطمت يدي بالحائط" ما يعني ان ما كتبته كان بمثابة
حلم او ربما كابوس.
ففي هذه الجملة الاخيرة من موضوع الانشاء كان يكمن موقفي المعارض لتلك الزيارة في ذلك التوقيت الذي مازالت فيها امتنا العربية ترزخ تحت وطاة ذل هزيمة حزيران ١٩٦٧ والنكبة والعدوان الثلاثي على مصر عام ١٩٥٦ .
للموضوع بقية... بإذن الله حول زيارة السادات الحقيقة للقدس.
الحلم الذي تحول إلى حقيقة
زيارة السادت إلى تل ابيب
(التتمة)
ام الفحم/ الضفة الغربية/ القدس
بعد خمس سنوات تقريبا من التنبؤ بالزيارة وصل السادات فعلا في التاسع عشر من نوفمبر/ تشرين الثاني ١٩٧٧ إلى
تل ابيب ومن ثم الى القدس. في هذا الوقت كنت طالبا
في الجامعة العبرية بالقدس وعضوا في الحركة التقدمية(الجناح الطلابي لحركة ابناء البلد) التي فازت باغلبية مقاعد لجنة الطلاب العرب واصدرت ديوانين من الشعر: نقوش على جدار الوطن عام ١٩٧٥ و كل آذار وانتم بخير عام ١٩٧٧. اي انني اصبحت اكثر وعيا من الناحية السياسة.
كما اسلفت وصل السادات الى اسرائيل يوم السبت التاسع عشر من نوفمبر عام ١٩٧٧ وفي هذا اليوم بالذات كنت انا في مدينة ام الفحم للمشاركة في امسية شعرية نظمتها حركة ابناء البلد... بعد ليلة لا تنسى مع الرفاق في ام الفحم كان ينبغي ان اعود يوم الاحد العشرين من نوفمبر الى القدس.. وقررت العودة عن طريق جنين مرورا بنابلس ورام الله دون ان افكر ولو لحظة ان سلطات الاحتلال اتخذت في هذا اليوم اجراءات امنية مشددة واقامت العديد من الحواجز العسكرية. عندما كنت اودع الرفاق في ام الفحم اهداني احدهم لا اعرف بالضبط من منهم مجلة الهدف التي تُصدرها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في بيروت.. احتضنت المجلة التي طالما اشتقت لتصفحها ولمسها علما انني رايت في مكتبة الجامعة اعدادا قديمة منها. ولكن ان تمسك المجلة بيديك وتقلب صفحاتها وتكون ملكك وتضعها في سريرك فهذا امر لم اكن احلم به اطلاقا..
في الطريق الى جنين توقفت سيارة التاكسي التي كنت فيها عند حاجز عسكري قرب سيلة الحارثية .. عندها حاولت ان اكون طبيعيا لكي لا يكتشف احد امر المجلة ( الممنوعة) التي ترافقني الى القدس. وضعت المجلة في جيب معطفي .. لم يلاحظ الجنود انني احمل شيئا ممنوعا!! لا اعرف ربما لم تكن المجلة ممنوعة فهي موجودة في مكتبة الجامعة العبرية ..
مررنا بعدة حواجز عسكرية قرب نابلس وقرب رام الله وقلنديا والرام وشعفاط الى ان وصلت سيارة التاكسي الى باب العامود.. تنفست الصعداء وتوجهت فورا الى جريدة "الشعب" التي كنت اعمل فيها محررا للشؤون الاسرائيلية.. سلمت على صاحب الجريدة ومديرها العام المرحوم محمود يعيش ابو علي الذي احبني كانني ولد من اولاده.. وطلبت منه ان اخرج قبل انتهاء دوامي ليلا.. مبررا ذلك بان حركة المواصلات الى الجامعة في جبعات رام بمحاذاة مبنى الكنيست سوف تتوقف لان السادات سوف يلقي خطابه
في الكنيست.. ابو علي رحمه الله وافق على طلبي
وقال لي ان بإمكاني الذهاب متى اشاء.
بعد استراحة ليست طويلة في غرفة التحرير في جريدة الشعب توجهت الى محطة الحافلات في القدس الغربية وصعدت في الحافلة باتجاه الجامعة لكن قبل الوصول الى الكنيست وفي حي راحافيا توقفت الحافلة وطلب السائق
منا الننزول قائلا انها المحطة الاخيرة.. وان من يريد الوصول الى منطقة الكنيست والجامعة عليه ان يقطع المسافة مشيا على الاقدام. غادرت الحافلة ومشيت باتجاه المتحف والكنيست ومساكن الطلبة في الجامعة العبرية.. لم اكن وحيدا كانت جماهير غفيرة على جانبي الطريق تنتتظر مرور موكب السادات الذي سيصل الى الكتيست لإلقاء خطابه.. وبطبيعة الحال كانت هناك اجراءات امنية مشددة حيث انتشر المئات من رجال الشرطة .. لم اعر احدا انتباها واصلت السير باتجاه مساكن الطلبة الى ان استوقفني شرطي وسالني الى اين اريد الذهاب.. ابرزت بطاقة هويتي الجامعة وبطاقتي الصحفية وقلت له انني طالب في الجامعة واريد الذهاب الى غرفتي.. لم يعترض ولكن قام بتفتيشي وامسك مجلة الهدف بيده وبدا يدقق بها .. بدا لي انه لا يعرف اللغة العربية... سالني ما هذا؟ اجبته هذه مجلة باللغة العربية وانا صحفي.. ولكن شعرت انه غير راض عن اجابتي ويريد المزيد من المعلومات حول المجلة.. وبالفعل توجه الى شرطي آخر واعطاه المجلة... هذا الشرطي، كان عربيا تقدم نحوي وقال: مجلة الهدف؟ اين تصدر هذه المجلة؟ لم ارها من قبل.. احبته لا اعرف اين تصدر بالضبط ولكني صحفي وحيث اعمل هناك اعداد كبيرة من المجلات من مختلف انحاء العالم.. ارزت بطاقة الصحافة التي بحوزتي لكنه هز براسه محتارا
وقال لي: إسا مش فاضيلك. الله معك" . احتضنت المجلة
بقوة ولا اعرف كم قبلة قبلتها وانا اسير في الطريق الى ان وصلت غرفتي في مساكن الطلبة في الجامعة العبرية.
علي الصح شاعر فلسطيني من فلسطين التاريخية
يقيم في برلين |