سنبقى نكتبُ عن القضيّة للذاكرة الوطنية وللأجيال الصاعدة وللمستقبل....!
نواف الزرو
Nzaro22@hotmail.com
يفاجئني بعضُ الأصدقاءِ بين آونةٍ وأخرى بالقول: "بعدين معاك، ألم تتعب...؟، كلّ يومٍ تكتب عن فلسطين والاستيطان والاستراتيجيّات الصهيونيّة، وعن تهويد القدس و..الخ"، فيكون ردي بمنتهى البساطة والوضوح والإيمان: أبدًا، هذهِ بلادنا وقضيّتنا ووجودنا وحقوقنا ومستقبلنا، ونحن في صراعٍ وجوديٍّ وجذريٍّ مفتوحٍ مع هذا المشروع الصهيوني، ورسالتنا ومهمتنا أن نكتب ونذكّر ونستحضر الحقائق والمعطيات، وسنبقى نكتب للقضية وللتاريخ وللأجيال وللذاكرة مع مداد من كتبوا لفلسطين بالدم، حتى تحرير الوطن المحتلّ.
فكلُّ ما يجري في المدينة المقدّسة، بل وفي أنحاء فلسطين، ينبعُ عندهم في ادبياتهم الايديولوجية والسياسية من عمق النصوص التوراتيّة التي تدعو إلى "تطهير المكان- أي القدس- فلسطين"، لتغدو يهوديّة نقيّة بالكامل، بل هي حربُ تطهيرٍ عرقيٍّ بنصوصٍ دينيّةٍ سافرةٍ صريحةٍ مُزيّفةٍ للتاريخ وللحقائق، تقودها الجماعات الإرهابيّة المتطرّفة، فالمؤشّراتُ والمعطيّاتُ والتصريحاتُ والقراراتُ والإجراءات، كلّها تتحدّث عمّا هو آتٍ في المشهد الفلسطيني، في ذلك البعد الاحتلالي التهويدي، إذ يكاد لا يمضي يوم، أو ربما حتى ساعة، إلا ونتابع تصعيدًا احتلاليًّا في المدينة المقدّسة، أو في أي مكانٍ آخر في الضفّة الغربيّة، فوفق أحدث المعطيات، فإنّ البناء الاستيطانيّ في شرقي القدس يسجّلُ تصاعدًا مرعبًا هو الأعلى منذ عشر سنوات، وفيما تواصل سلطات الاحتلال استيطانها بالقدس في إطار مخطّطها التهويدي، تسعى جاهدةً لتهويد كلّ مكوّنات المدينة العربيّة حتى وصل الأمر لتهويد أسماء شوارعها وطرقاتها وأزقتها، وتسعى سلطات الاحتلال إلى استبدال الأسماء العربيّة لتلك الشوارع والطرقات بأسماء يهوديّة، مثل شلومو وشامير وبنيامين وغيرها من الأسماء التي تأتي في إطار السعي لتهويد حتى تاريخ تلك المدينة التي تزخر بالتراث العربيّ الإسلاميّ، التي تعيش حاليًا حملةً إسرائيليّةً شاملةً لتهويدها وطمس معالمها الإسلاميّة والعربيّة.
وحسب شهادات أهل القدس، تشنُّ سلطات الاحتلال حملاتٍ وهجماتٍ متلاحقةٍ في المدينة تهدفُ إلى تهويد ما يطلقون عليه المعالم التراثيّة والأثريّة العربيّة الإسلاميّة والمسيحيّة، وتقيم بدلًا منها ما يطلقون عليه الحدائق التوراتيّة، وذلك في سباقٍ مع الزمن، بل إن تلك السلطات لا تنام عمليًّا، إذ تواصل حملاتها على مدار الساعة، وتتركز على أهم معالم المدينة العربيّة الإسلاميّة. ووفق المعطيات، فإن تلك السلطات تنتقل إلى مرحلةٍ جديدةٍ في تهويد المدينة المقدسة، بل إنّها تشنُّ حربًا مفتوحةً مسعورةً ترمي إلى تهويدها بنصوصٍ دينيّة، وإلباس هذه العمليّة زيًّا أيديولوجيًّا توراتيًّا صريحًا، فعمليًّا على الأرض المقدسيّة تتحرّك دولة الاحتلال من أجل إحكام القبضة اليهوديّة - التهويديّة الاحتلاليّة الكاملة على المدينة المقدّسة ببلدتها القديمة داخل أسوارها التاريخيّة، وبمدينتها الجديدة خارج تلك الأسوار.
ففي أقرب وأخطر تطوّرات المشهد المقدسيّ، يدعو اليمين الإسرائيلي المتطرّف للسيطرة على الحرم القدسي، ويقوم نشطاؤه بتوزيع ملصقاتٍ "تحريضيّة"، كتب فيها: "يجب تطهير جبل الهيكل من أعداء إسرائيل"، وجاء في نص الملصقات المنشورة: "دعونا نطهر هذا المكان من أعداء إسرائيل الذين سلبوا الأرض و دعونا نبني المعبد على أنقاض المساجد ويجب أن لا تخافوا".
وفي سياق عملية التطهير، تقوم ما يسمى باللجنة اللوائيّة الإسرائيلية للتخطيط والبناء، بإقرار المزيد والمزيد من الحدائق التوراتيّة، فصادقت مؤخّرًا على مخطّطٍ لإقامة ما أسمته "مركز زوار" في نطاق ما تسمّيه "الحديقة الوطنيّة عير دافيد" في حي سلوان الملاصق للحرم القدسي الشريف، بينما هدمت سلطة حماية الطبيعة والحدائق الوطنية مبنى فلسطينيًّا ضم حديقة ألعاب ومركز جماهيري ومقهى في الحي، وقال عالم الآثار يوني مزراحي، الناشط في منظّمة "السهل المستوي" الذي يضمُّ عددًا من علماء الآثار الإسرائيليين: "إنّ البناء المذكور هو تعزيزٌ للنشاط الاستيطانيّ الذي تقوم به جمعيّة (العاد) في البلدة القديمة، وهو خطوةٌ أخرى تجاهَ إقصاء السكان الفلسطينيين وتجريدهم من حقوقهم التاريخيّة"، وقبل ذلك شرعت آليّات وجرافات الاحتلال الإسرائيلي بزيادة وتيرة العمل لإقامة وإنشاء حدائق تلمودية بين بابي العامود والساهرة، كما أن أعمالًا مشابهةً تجري منذ مطلع العام الماضي في المنطقة المعروفة باسم "طنطور فرعون" ببلدة سلوان جنوب المسجد الأقصى المبارك، فضلا عن كشف لجنة الدفاع عن سلوان، عن زرع قبورٍ يهوديّةٍ وهميّةٍ فيها للسيطرة على الأراضي ووضع اليدّ نهائيًّا عليها وربط المنطقة بالبؤر الاستيطانيّة القريبة، بالإضافة إلى ربطها بـ"مقبرة اليهود" بحي رأس العمود، فيما تجري أعمالٌ موازيةٌ في منطقة وادي الربابة بسلوان لإنشاء حدائق تلموديّة، تمتدُّ إلى مسافةٍ قريبةٍ من حي البستان الذي تتهدّد منازله خطر الهدم والإزالة النهائيّة وتشريد سكّان الحي الذين يزيد عددهم عن ألف وستمائة مواطن لصالح إنشاء هذه الحدائق ومشاريع تهويديّة أخرى تخدم خرافة وأسطورة الهيكل المزعوم. فالواضح أن سلطات الاحتلال تنتقل خطوات أخرى، هي الأخطر في تهويد المدينة المقدسة وتحويلها إلى "عاصمة للشعب اليهودي –فقط...! ما يعني اختطاف القدس وإسقاطها من الحسابات الفلسطينيّة والعربيّة والإسلاميّة والمسيحيّة كافةً... وكل ذلك في ظل حمى التطبيع العربي الذي يشكل غطاء للإجراءات الاحتلاليّة كافةً.
وعليه، سأبقى أكتب وأكتب وأكتب عن القضيّة والأجيال الطالعة، دون كللٍ أو تراجع، فهذا عهدنا مع غسان كنفاني الذي هو صريعُ كتابة الوجع والأمل الفلسطيني وبشارتها نحو دحر الصهيونيّة والاستعمار، على طريق تحقيق الحريّة والعودة والاستقلال والوحدة العربيّة.
|