التصعيد الامريكي الصيني في تايوان الى أين ؟؟
واصف عريقات
محلل عسكري
تعتبر الصين تايوان جزءا من أراضيها، ولم تستبعد أبدا استخدام القوة لإخضاع تايوان لسيطرتها، وتعارض تايبيه بقوة مطالبات بكينبالسيادة عليها، وتقول إن حق تقرير المصير يعود فقط لشعب الجزيرة البالغ عدد سكانها 23 مليون نسمة تقريبا. وتعود الانقسامات العميقةبين البلدين إلى الحرب الأهلية الصينية (1927 - 1949)، عندما هزم شيوعيو ماو تسي تونغ قوميي تشيانغ كاي شيك، الذين فروا إلىتايوان.
واشنطن التي تسعى لاضعاف الصين كما تفعل مع روسيا في اوكرانيا استغلت الموقف التايواني وتدعمه ولهذا الغرض قامت بإنشاء تعاونوشراكة عسكرية “لحماية مصالحها” في منطقة المحيطين الهندي والهادي. اطلقت عليها اسم تحالف “اوكس AUKUS” في ظاهر هذاالتحالف فرض الامن والاستقرار في الممرات المائية في المنطقة، وباطنه استهداف الصين . هذا التحالف ضم كل من (بريطانيا، استرالياالى جانب واشنطن)، كما أرسلت العديد من الدول، بما في ذلك فرنسا وليتوانيا واليابان، ومؤخرا ألمانيا وفودها إلى الجزيرة منذ ذلك الحين،مما زاد من التوترات في مضيق تايوان.
ردت الصين على ذلك بمناورات عسكرية بحرية بالذخيرة الحية قبالة سواحل تايوان .
زاد من حدة التوتر بين الصين وامريكا زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي، في آب الماضي إلى تايبيه، اللتان تبادلتاالتحذيرات بشأن التصعيد العسكري. اعتبرت بكين هذه الزيارة بادرة دعم خطيرة لانفصال تايوان. وقالت بكين ان واشنطن ستدفع الثمنجراء هذه الزيارة وهي الاولى التي يقوم بها سياسيون أمريكيون ، وصعدت من استعداداتها وتحركاتها ومناوراتها العسكرية في المنطقة.
وتوالت الاستفزازات الامريكية والتصريحات والتصريحات المضادة ، وردا عليها صرح وزير الخارجية الصيني بأن العلاقات الصينيةالأمريكية تواجه تحديات خطيرة وقال نرفض سياسة الضرر ، وفي السياق أعلن الجيش الصيني الأحد الماضي إجراء تدريبات وتمارينعسكرية على "توجيه ضربات" في البحر والمجال الجوي قرب تايوان.
وذكرت قيادة المنطقة الشرقية في الجيش الصيني -في بيان مقتضب- تنفيذها "دوريات مشتركة للجاهزية على خوض المعارك وتدريباتعلى ضربة مشتركة" حول تايوان، وأضافت أن "هذا رد حازم على التصعيد الحالي للتواطؤ والاستفزاز من الولايات المتحدة وتايوان".
كما أكد البيان أن "القيادة ستتخذ كل الخطوات الضرورية للدفاع عن سيادتها ووحدة اراضيها"
بالمقابل صرح مجلس الامن القومي الامريكي بأن النشاط العسكري الصيني قرب تايوان يزعزع الاستقرار ويخاطر بالوقوع في حساباتخاطئه.
يتزامن ذلك مع تنامي العلاقات الروسية الصينية التي تتجاوز حدود اعلان الشراكة الاستراتيجية بينهما عام ١٩٩٦ الى مستوى الفعلوالتحركات العملية واجراء التدريبات والمناورات المشتركة في منطقة المحيطين الهادي والهندي لمواجهة التحالفات الأمريكية ومخططاتها.
صحيح أن الصين تحاول كقوة اقتصادية عالمية درء أي محاولات من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي لشل قوتها. لكنها تدرك جيدا أنما حدث مع روسيا في اوكرانيا قريب منها . كما تدرك أمريكا بأن ما يجري الآن هو بداية نهاية نظام القطب الواحد لصالح عالم متعدد الأقطاب. وهو ما يزيد الموقف تعقيدا .ويفتح باب الاحتمالات على مصراعيه.
تايوان من جانبها تشعر بأن امريكا(رغم التعهد الدائم بعدم التخلي عنها ) ليست على مستوى يمكنها من ادارة الحرب في اوكرانيا وتايوانعلى النحو الذي تحبه، وأن موقف امريكا اذا وقع الصدام بينها وبين الصين سيكون ذات الموقف حيال أوكرانيا حيث رغبة أمريكا فياستمرار الحرب تأتي في إطار إنهاك الجسد الروسي والصيني لا في إطار انتصار أوكرانيا وتايوان.
من حيث القوة العسكرية تتفوق الصين على تايوان في كل النواحي تقريبًا، من الدبابات ومرورا بالمدفعية إلى الطائرات. وتبلغ ميزانية الدفاعالصيني ٢٣٠ مليار مقابل ١٦،٨ مليار في تايوان ومع ذلك فإن لدى تايوان قوة عسكرية احتياطية مدربة جاهزة في حالة حدوث غزو واسعالنطاق من قبل الصين. واحتمال الهجوم على تايوان قائم منذ الخمسينيات من القرن الماضي، وقد طورت الدولة الجزيرة "استراتيجية " للدفاع عن نفسها.
على الصعيد الدولي تمتلك الصين ثاني أكبر ميزانية عسكرية سنوية في العالم ،وهي تسبق كل الدول الأخرى في المحيط الهادئ بهامشكبير. تشير معظم التقديرات إلى أن الصين تمتلك أكبر أسطول عسكري من حيث عدد السفن في المنطقة. لكن الولايات المتحدة، التي تحتفظببصمة عسكرية كبيرة في المنطقة، لديها إنفاق عسكري إجمالي أكبر بكثير، كما أن قواتها منتشرة في جميع أنحاء العالم.
ولا تزال الولايات المتحدة قوة عسكرية مهيمنة في جميع أنحاء منطقة المحيط الهادئ، مع قواعد جوية وبحرية رئيسية في اليابان وكورياالجنوبية وسنغافورة. كما أن ادارة الرئيس بايدن تضع المنافسة المستمرة منذ سبعة عقود مع الصين من اولوياتها ، وهي تدرك ان الصينستبحث عن خطط ردع وانها لن تجد أفضل من موسكو شريكا وحليفا لمواجهة الضغوط المفروضة عليها.
يبقى السؤال حول امكانية انشاء تحالف عسكري بين روسيا والصين، المادة "٩" من معاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون الروسيةالصينية لعام ٢٠٠١ التي مددت عام ٢٠٢١ تضمنت معيارا سمح بالتحول السريع للعلاقات الى تحالف عسكري بحكم الأمر الواقع.
ومع أن هناك الكثير من المعوقات للوصول الى هذا التحالف (الضرورة) الا انه قد يحمل المستقبل مفاجآت ، لا سيما وأن عوامل التفجير أكثرمن عناصر التهدئة، وقد تبدأ الأمور في الانزلاق نحو الهاوية بسرعة، وتتدحرج الامور وتخرج عن السيطرة والتاريخ حافل بالأمثلة. |