الدور البريطاني في صناعة "اسرائيل" والنكبة: من بالمرستون الى ليز تراس...!
*نواف الزرو
NZARO22@HOTMAIL.COM
لا نبالغ إن وثقنا بداية ان السياسات والمؤامرات الاستعمارية البريطانية ضد العرب على نحو عام، وضد الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية على نحو خاص لم تتوقف في يوم من الايام، وتمتد من المؤتمر الاوروبي الاول الذي عقد في لندن عام 1840 برئاسة بالمرستون رئيس وزراء بريطانيا آنذاك والذي تبنى شعار"ارض بلا شعب لشعب بلا ارض"، وصولا الى ليز تراس رئيسة وزراء بريطانيا المستقيلة التي وصفت نفسها بانها صهيونية كبيرة، والتي واصلت سياسات سابقيها الصهيونية، حيث اكدت في مقابلة صحفية مع الصحيفة اليهودية، جويش كرونيكل، 5-9-2022م:
- ليس هناك من هو أفضل صديقا لبريطانيا من إسرائيل.
-لن نسمح لإيران أن تحصل على السلاح النووي.
- ستصوت بريطانيا في المؤسسات الدولية مع إسرائيل.
-لن نسمح لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أن يكون منبرا لظاهرة اللاسامية.
- سوف نطارد ظاهرة اللاسامية على المستوى الدولي.
ثم واصلت وقالت لرئيس الوزاء الاسرائيلي لابيد خلال لقائها به في الامم المتحدة" إنها تفكر في نقل السفارة البريطانية في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس المحتلة كما جاء ذلك بحسب ما أوردته صحيفة "تلغراف" البريطانية-2022/9/21"، لتعقب الأوساط السياسية في تل أبيب على ذلك: انها ترى أن "تراس صديقة عظيمة لإسرائيل"، ويعتقدون أن العلاقات مع بريطانيا ستستمر في تعميقها وازدهارها خلال ولايتها، وفقا لما أفادت وسائل إعلام إسرائيلية.
وفي ضوء هذا التطور الهام في المواقف البريطانية المنحازة تماما لصالح "اسرائيل"، نعود هنا لنذكر ونثبت ونحن اليوم امام مائة واثنين وثمانين عاما على مؤتمر لندن-1840- برئاسة بالمرستون، وامام مائة وسبعة عشر عاما على مؤتمر كامبل بانرمان، وامام مائة وخمسة اعوام على بلفور الاجرامي، ان الحكومات البريطانية المتعاقبة من بالمرستون وصولا الى تراس، لم تتوقف عن دعم وتعزيز المشروع الصهيوني ووجود الدولة الصهيونية، في الوقت الذي لم تتوقف فيه ابدا عن حبك المؤامرات وصناعة الاحداث في المنطقة لصالح الكيان وعلى حساب الامة والعروبة ...!.
و نوثق اليوم ايضا ونحن ما زلنا في فضاءات الذكرى الرابعة والسبعين للنكبة، ونوثق ايضا غدا ودائما للجيال والمستقبل، وحتى تدفع بريطانيا ذات يوم الثمن:"هناك دَين تاريخي ضخم في ذمة السياسات البريطانية، لايمكن تصفيته أو نسيانه أو المسامحة به ، وإن تقادم عليه الزمن، فمجمل المآسي الكارثية الفلسطينية هي جراء السياسات الإستعمارية البريطانية في القرن العشرين المنصرم، فبريطانيا هي صانعة النكبة الفلسطينية، وهي المسؤولة ماضيا وحاضرا ومستقبلا عن عذابات الفلسطينيين ، ورحلة آلامهم التاريخية عبر اكثر من قرن من الزمن، منذ وعد بلفور عام 1917" . فرغم زخم الاحداث والتطورات المتلاحقة في المشهد الفلسطيني العربي الشرق اوسطي، ورغم الاعباء الكبيرة التي يرزح تحتها الواقع الفلسطيني، ورغم النكبات المتصلة التي تنصب على رؤوس الفلسطينيين منذ عام 48، ورغم كل التضحيات اليومية للشعب الفلسطيني التي من شانها ربما ان تشغل بال الجميع عما حصل في الماضي، الا اننا لا يمكننا ان نغفل دور صانعة"اسرائيل" والنكبة الفلسطينية، ولا يمكننا ان نغفل ذلك الدور البلفوري البريطاني في المستمر ..!، فنحن اليوم عمليا امام نحو:
105 اعوام على وعد بلفور...!
85 عاما على توصيات بيل...!
75 على قرار التقسيم ومنح اليهود الوطن القومي...!
66 عاما على العدوان الثلاثي...!
55 على عدوان حزيران/67 وهزيمة العرب واحتلال ثلاثة اضعاف فلسطين المحتلة 48...!
ونحو 19 عشر عاما على العدوان الامريكي –البريطاني على العراق /2003/ ..!
تصوروا...!
وفي كل هذه المحطات الرئيسية الكبرى كان لبريطانيا دائما الدور المركزي في بناء وصناعة الاحداث والمشاريع والدول، ولعل اقامة "اسرائيل" على خراب فلسطين وتشريد اهلها في الشتات تبقى الكارثة الاكبر التي حلت بنا في ظل المؤامرة البريطانية –الصهيونية ...!
لم تتوقف الحكومات البريطانية المتعاقبة على مدى اكثر من قرن من الزمن عن دعم وتعزيز وجود الدولة الصهيونية ، في الوقت الذي لم تتوقف فيه ابدا عن حبك المؤامرات وصناعة الاحداث في المنطقة لصالح تلك الدولة وعلى حساب الامة والعروبة ...!، بل انه نحو قرن كامل من الدعم البريطاني لـ "إسرائيل"..!.
وتبدأ حكاية الغرام والعشق من قبل بريطانيا بالمشروع الصهيوني و"الوطن القومي لليهود" وب"إسرائيل" على نحو حميمي وعلى وجه الحصر في 1917، حينما اصدر وزير الخارجبة البريطاني جيمس آرثر بلفور يوم 2 نوفمبر/ تشرين الثاني 1917 تصريحا مكتوبا وجهه باسم الحكومة البريطانية إلى اللورد ليونيل والتر روتشيلد (1868-1937)، يتعهد فيه بإنشاء "وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين".
المؤرخ البريطاني لورد ارنولد توينبي الذي كتب موسوعة قصة التاريخ، لم يملك -كما يوثق لنا د.اسعد أبو شرخ وهو كاتب وأكاديمي فلسطيني- "سوى أن يجرم بلده بريطانيا على ما اقترفته بحق الشعب الفلسطيني وتسليم وطنهم لقمه سائغة للحركة الصهيونية/15/5/2008 ". والسبب –يضيف ابو شرخ-في تجريم بريطانيا واتهامها بصراحة ووضوح وعلانية لأنها هي صاحبة وعد بلفور الذي يتبرأ منه تماماً مما جعله يشعر كمواطن إنجليزي "بالذنب وتبكيت الضمير على ما حل بالشعب الفلسطيني جراء هذا الوعد المشؤوم".
الباحث مأمون كيوان وصف الوعد قائلا:" انه قصة 117 كلمة إنجليزية زورت تاريخ وجغرافيا الشرق الأوسط". و"كان الوعد حاضرا /كما يوثق شفيق شقير في الجزيرة نت/11/2/2007/بعد ذلك في مؤتمر سان ريمو /1920 الذي منح فيه الحلفاء بريطانيا حق الانتداب على فلسطين، وكان حاضرا ايضا في عصبة الأمم التي صادقت في يوليو/ تموز 1922 على صك إقرار الانتداب البريطاني، فالصك كان يتضمن في مقدمته نص تصريح وعد بلفور مع تخويل لبريطانيا بتنفيذ الوعد، كما كان الوعد حاضرا في دستور فلسطين الذي أصدرته بريطانيا بعد أسبوعين من إقرار انتدابها أمميا، حيث ضمنت مقدمته نص تصريح وعد بلفور أيضا".
وها هو ينقضي اليوم مائة وخمسة اعوام تقريبا على الوعد ولا تزال تداعياته النكبوية تلاحقنا، ذلك ان ذلك "الوطن القومي لليهود" وذلك "المشروع الصهيوني الاستيطاني الاحلالي"يشهد في هذه الايام ذروة تمدده السرطاني وذروة سطوه على الوطن الفلسطيني من نهره الى بحره...!، وبعد كل ذلك - ياتينا وزير الخارجية البريطاني الاسبق لشؤون الشرق الأوسط "كيم هاويلز"وبعد ستين عاما على النكبة واغتصاب فلسطين-آنذاك- ليتخذ موقفا بريطانيا جديدا يواصل فيه خطى جريمة وعد بلفور للصهاينة حينما اعلن قائلا: " أن حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى أماكن إقامة أجدادهم "غير منطقي"/ الخليج/2007/7/24"، مضيفا في مؤتمر صحافي عقده في عمان: "من الصعب جداً أن نحل مشكلة اللاجئين التي تراكمت منذ 60 عاماً، ويجب تقبل أن التاريخ يسير، وأنها أصبحت جزءاً من إسرائيل، ولن نرى عودة للعائلات بعد الاحتلال وهذا الحال حدث في العديد من الصراعات حول العالم".
فهل هناك جريمة ابشع من هكذا جريمة بريطانية...؟!
فبعد ان تسببت وانتجت النكبة وقضية اللاجئين يأتي وزير خارجيتها وبعد اكثر من ستين عاما-حين تصريحاته- من النكبة ليعيد انتاج المشهد والدور ..؟! فيا لها من جريمة لا تغتفر...!
وليس ذلك فحسب .!
فنحن بدورنا لا نبالغ بالتثبيت بداية وبالعنوان الكبير ان زخم الهجوم الأمريكي - الإسرائيلي المسعور على شطب حق العودة لملايين اللاجئين الفلسطينيين من كل الأجندات التفاوضية والسياسية الإقليمية والدولية يبلغ ذروة هستيرية لم يسبق لها مثيل في تاريخ الصراع على الإطلاق.
فلسطينيا- كان شاعر فلسطين إبراهيم طوقان (1905-1941) خاطب المستعمرين الانجليز وما تسببوا به من ويلات وكوارث ألمت بفلسطين والعرب قائلا: منذ احتللتم وشؤم العيش يرهقنا فقراً وجوعاً وإتعاساً وإفساداً بفضلكم قد طغى طوفانُ هجرتهم وكان وعداً تلقيناه إبعاداً .
ولكن شاعر فلسطين عبد الرحيم محمود يعاتب الفلسطينيين والعرب معا قائلا:
بلفور ما بلفور ماذا وعده لو لم يكن أفعالنا الإبرام إنا بأيدينا جرحنا قلبنا وبنا إلينا جاءت الآلام
ونقول بدورنا: لم يكن "وعد بلفور" ليرى النور ويطبق على ارض الواقع في فلسطين لو تحملت الأمة والدول والأنظمة العربية حينئذ مسؤولياتها القومية والتاريخية...؟.
ولم تكن فلسطين لتضيع وتغتصب وتهوّد لو تصدى العرب للمشروع الصهيوني كما يجب، ولم تكن فلسطين لتتحول إلى "وطن قومي لليهود" لو ارتقى العرب إلى مستوى "الوعد والحدث"؟!!
وما بين "بلفور آنذاك الى بوش واوباما ثم ترامي وبايدن اليوم" نقول: لم يكن "وعد بوش" ليرى النور ولم تكن "صفقة ترامب" لترى النور لو لملم العرب أنفسهم وارتقوا إلى مستوى الحدث والأخطار الداهمة الآتية عليهم من الجهات الأربع؟!! .
وما بين "الوعد البلفوري" و"الوعد البوشي" ثم"الوعد الترامبي" تجري عملية اغتيال الوطن الفلسطيني والحقوق الفلسطينية المشروعة الراسخة، ومقومات الاستقلال الفلسطيني، في ظل الصمت العربي الرهيب وفي ظل الفرجة العربية المذهلة، بل وتواطؤ بعض العرب، بل وتحالف اعراب التطبيع مع العدو....! |