مانديلات فلسطين وأسئلة التحرير....؟!
*نواف الزرو
Nzaro22@hotmail.com
في ضوء التصعيد الاحتلالي اليومي ضد الاسرى الفلسطينيين في معتقلات الاحتلال يعود السؤال الكبير الرئيس في الوعي الجمعي الفلسطيني العربي ليطرح نفسه بقوة: لماذا يبقى هؤلاء الاسرى العظام الابطال في معتقلات الاحتلال…؟!، ولماذ تعجز القيادات والفصائل الفلسطينية عن تحريرهم…؟!، ولماذاعجزت المفاوضات السياسية عن تحريرهم…؟!.
ففي المشهد الصراعي الفلسطيني مع الدولة الصهيونية، نتابع كيف قامت تلك الدولة منذ البدايات ب”اكبر عملية اعتقال جماعي في التاريخ الحديث”، فاعتقلت اكثر من مليون فلسطيني امضوا اكثر من مليون سنة اعتقالية وراء القضبان الصهيونية، كما نتابع في السياق حكايات الدم والالم والبطولة في معتقلات الاحتلال الصهيوني، وحكايات المفاوضات والمعركة على ما اطلق عليه”الاسماء من العيار الثقيل، اولئك الملطخة ايديهم بالدماء اليهودية”، وكيف ارتهن مستقبل آلاف الاسرى الفلسطينيين في مهب رياح المعايير الاسرائيلية.
فمنذ البدايات الأولى للاحتلال أعلن جنرال حربهم آنذاك موشيه ديان معقباً على انتهاج سياسة الاعتقالات والمحاكمات بالجملة:”سوف تخرج السجون الإسرائيلية معاقين وعجزة يشكلون عبئاً على الشعب الفلسطيني”، وعززه اسحق رابين وزير قمع الانتفاضة حينما اعلن أمام مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية بمنتهى الوضوح أيضاً على”أن الانتفاضة هي مواجهة بين كيانين، ودليل ذلك هو العدد الكبير جداً من المعتقلين الفلسطينيين”، مشيراً إلى”أن حل مثل هذا الصراع لن يكون إلا بواسطة عسكرية”، مؤكداً في ختام كلمته على ” أنه طالما هناك انتفاضة سيبقى كتسيعوت “، مشيراً بذلك إلى معسكرات الاعتقالات الجماعية للفلسطينيين، والتي كان من ابرزها معسكر كتسيعوت في صحراء النقب، وهي السياسة التي انتهجتها تلك الدولة بصورة مكثفة واسعة النطاق خلال سنوات الانتفاضة الفلسطينية الكبرى الأولى 1987-1993، وخلال سنو ات انتفاضة الاقصى ايضا.
الى ذلك، على قدر الاهمية والخطورة التي نظرت وما تزال فيها الدولة الصهيونية للاسرى الفلسطينيين، وعلى قدرالاهمية الاستراتيجية التي اولتها لهم، بوصفهم القيادة الطليعية للشعب الفلسطيني، واستهدفتهم معنويا وسيكولوجيا بغية تحطيم صورتهم وارادتهم ورمزيتهم للشعب والقضية، فتبنت تلك السلطات على مدى عقود الاحتلال الماضية سياسة متشددة جدا ازاء مساومات “تبادل الاسرى” و”تحريرهم”، على قدر ما احتلت قضية آلاف الاسرى الفلسطينيين في باستيلات الاحتلال قمة الاجندة السياسية الوطنية الفلسطينية على الدوام، باعتبارهم نخبة وطليعة النضال الفلسطيني ضد الاحتلال الذين امضى بعضهم في معتقلات الاحتلال نحو اربعين عاما، ونحن نتحدث هنا عن عمداء الاسرى ومانديلات فلسطين البواسل وهم بالمئات، إذ تحدث مركز فلسطين لدراسات الأسرى عن"أن قائمة عمداء الأسرى-مانديلات فلسطين-ارتفعت مجدداً لتصل الى (280) أسيرا بدخول أسرى جدد عامهم الـ 21 على التوالي في الأسر ، وأوضح مركز فلسطين 2022/8/18 "ان عمداء الأسرى هم من أمضوا ما يزيد عن 20 عاماً بشكل متواصل خلف القضبان، من بينهم (17) أسيراً مضى على اعتقالهم نحو اربعين عاماً اقدمهم الأسيرين" كريم يونس" وماهر يونس" وهما معتقلان منذ عام 1983"، وبين المركز "ان (39) اسيراً تجاوزت فترة اعتقالهم ما يزيد عن ربع قرن (25 عاماً)، بينما (71) اسير أمضوا ما بين 20 الى 25 عام، إضافة الى الأسير "نائل البرغوثي" من رام الله والذي أمضي ما يزيد عن 42 عاماً في الأسر على فترتى اعتقال، حيث تحرر في صفقة وفاء الأحرار بعد 34 عاماً متتالية، واعيد اعتقاله عام 2014 ولا يزال اسيراً حتى الان"، وأشار المركز الى "أن من بين عمداء الأسرى، (25) أسيراً معتقلين منذ ما قبل اتفاق أوسلو الذي وقعته السلطة مع الاحتلال عام 1994، من يطلق عليهم "الأسرى القدامى" وهم من تبقى من الأسرى الذين اعتقلوا خلال سنوات الانتفاضة الأولى 1987 وما قبلها، وكان من المفترض إطلاق سراحهم جميعاً، ضمن الدفعة الرابعة من صفقة إحياء المفاوضات بين السلطة والاحتلال، أواخر عام 2013 الا ان الاحتلال رفض الافراج عنهم.
لقد درجت سلطات الاحتلال على اعتبار الاسرى الفلسطينيين"مخربين"او"ارهابيين"او"مجرمين" وليسوا اسرى حرب، ولذلك وضعت تلك الدولة معايير قولبت على شكل “تابو” خاص بشروط اطلاق سراح معتقلين فلسطينيين، وعلى هذه الخلفية دارت خلال سنوات المفاوضات حول صفقة التبادل-التي توجت في الصفقة الاخيرة باطلاق اكثر من الف اسير فلسطيني – رحى معركة تبادل الاسرى …!.
كان النائب عيسى قراقع رئيس نادي الاسير الفلسطيني تساءل قائلا: ان سؤال الاشكالية هو: هل أزمة الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال هي أزمة سياسية أم تربوية...؟، مضيفا:”ولأن الأسرى فرضوا وجودهم كأمر واقع على الحياة السياسية الاسرائيلية، فان التعامل معهم يجري وكأنهم أرقام لا بشر بل فئران كما قال الصحفي “عاموس هرئيل” ليس لهم حقوق، والذي يقرر حقوقهم هي نظرية القوة والأمن والأوامر والتعليمات العسكرية الصادرة عن الضابط أو من الجهاز القضائي الاسرائيلي".
وربما يكون الاستخلاص الابرز والاهم في سياق قراءة المشهد هو ذلك الاستخلاص المتعلق بملف الآلاف من الاسرى الفلسطينيين والعرب الذين ما زالوا صامدين في باستيلات الاحتلال الصهيوني، وان الطريق الوحيد لتحريرهم كما برهنت التجربة المثخنة بالجراح الفلسطينية حتى الآن هو طريق القوة والقوة فقط …!
فهكذا –كما اقيم ذلك الكيان على الحراب والحروب والقوة والارهاب، فانه لا يرتدع ولا يتراجع ولا يهزم الا بالقوة …!
وليس ذلك فحسب...!
ففي القناعات الفلسطينية المتبلورة الراسخة على امتداد الفصائل والجماهير الفلسطينية فانه لن يتم تحرير آلاف الاسرى الا بالقوة فقط...1
ناهيكم عن ان هناك الكثير ايضا من الاعترافات والشهادات الاسرائيلية على مختلف المستويات التي تقول صراحة ان “اسرائيل لا تفهم سوى لغة القوة."…
وبالقوة فقط يمكن تحرير الآلاف من الاسرى…!
وبالقوة وحدها فقط يمكن تحرير الوطن المغتصب…!
وبالقوة وحدها يمكن تحرير شعب كامل يرزح تحت الاعتقال في معسكرات الاعتقال الجماعي الصهيونية .!!.
وكان الكاتب الاسرائيلي المعروف جاكي خوجي- ثبت هذا الاستخلاص في معاريف قائلا:
“ان التجربة علمت اسرائيل انه بخلاف مفهومها عن نفسها، فانها لا تفهم سوى لغة القوة، وهذه الحقيقة ثبتت من قبل الفلسطينيين”.
غير أن معاناة الشعب الفلسطيني لا تتوقف عند حدود القتل والاعتقالات والمحاكمات الجماعية، واعتقال اكثر من مليون فلسطيني، وإنما تمتد إلى كافة مجالات الحياة الاجتماعية والتعليمية والاقتصادية . فنحن نقرا الاجماع السياسي الاسرائيلي هناك وراء: الموت للعرب “، و”فليضرب السجناء القلسطينيون حتى الموت”، و”لن يعالج اي سجين مضرب في المستشفيات الاسرائيلية “، ولنعود بالتالي الى بدهيات الصراع الموثقة على لسان رابين بانه “صراع بين كيانين”، ولذلك ايضا ليس غريبا حسب تصريح بالغ الاهمية للسفير البلجيكي -سابقا- لدى”اسرائيل” ولفريد جينز قال فيه:”حولت اسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة الى اكبر معسكر اعتقال في العالم”، وذلك بغية تحقيق اهم واخطر هدف لسياسة البلدوزر الصهيوني وهو “الابادة السياسية للشعب الفلسطيني”.
ولعلنا نثبت في ضوء كل هذه المعطيات حول الحركة الأسيرة الفلسطينية ومسيرة النضال والدم والألم والمعاناة والبطولة للأسرى الفلسطينيين، وفي ضوء معطيات المشهد الفلسطيني كله على امتداد خريطة الأراضي المحتلة التي حولها الاحتلال إلى أضخم معسكر اعتقال على وجه الكرة الأرضية:” ان فلسطين تدق على جدران الصمت والعار العربي، وتعلن حاجتها الملحة والعاجلة جداً إلى أزمة ضمير وأخلاق ومواقف وطنية وقومية، وليس إلى بيانات واستعراضات، وتعلن حاجتها إلى من يتطلع إلى الحقول الخضراء في إنسان يحصد قمح حريته منذ أن حل الاحتلال ولم يتعب "..؟!! |