المبادرة الوطنية .. المطلوب تأسيس سليم ومشروع وطني متكامل
د.عدنان بكرية
المبادرة الوطنية يجب ان تكون مشروع وطني اجتماعي متكامل ..وأن لا تقتصر على رفع شعار "انتخاب لجنة متابعة عليا" فقط .. فهذا الشعار قد يصبح هامشيا في ظروف عصيبة ومأزومة .
عندما انطلقنا بمشروع تأسيس المبادرة الوطنية لفلسطينيي ال 48 كان الهدف المركزي احداث هزة في صلب نمط العمل السياسي السائد بين اوساط فلسطينيي ال 48 والذي تحول في الاونة الاخيرة الى عمل روتيني ممل تشوبه العوائق العديدة والتي لم تأت من فراغ ..بل جاءت نتيجة الخلل الحاصل على مستوى اداء القيادة الحالية ومؤسساتنا التمثيلية ..
وحتى اكون واضحا جاء تأسيس المبادرة كنوع من التمرد الديموقراطي السلمي والحضاري على الواقع المعايش وكأداة لحث الاحزاب السياسية على الاضطلاع بالدور المنوط بها وعدم تقوقعها في خانة العجز واللامبالاة .. حثها على ضرورة تغيير نهجها وتفاعلها مع الاحداث والازمات التي تعصف بنا وبشعبنا الفلسطيني بشكل يرتقي الى مستوى الاحداث بعيدا عن طحن الشعارات .
اذا كان البعض يرى "بالتمرد" كلمة ثقيلة وشكلا من اشكال المشاكسة فانني اؤكد بأن المبادرة هي اداة للمشاكسة الديموقراطية فعلا .. هدفها التمرد والانقلاب على الواقع والنهج واسلوب العمل النضالي المسيطر على مؤسساتنا التمثيلية وعلى رأسها لجنة المتابعة العليا ..
سعينا وما زلنا نسعى لاقامة اطار فوق حزبي توحده قواسم هامة ومفصلية تتعلق بوضعية فلسطينيي ال 48 وعموم الشعب الفلسطيني وكيفية النهوض بالمشروع الوطني الفلسطيني واخراجة من حالة التكلس التي يمر بها .. هدفنا دفع العمل السياسي والاجتماعي الى مسلكه الصحيح بشكل يلبي طموحات الفلسطيني وتطلعاته .
لا ننكر بأننا خضنا نقاشا هاما بخصوص وضعنا ووضع شعبنا الفلسطيني وكان من المفروض ان يقودنا النقاش الى الى تحديد نقاط جوهرية هامة بكيفية ادارة الصراع مع المؤسسة الحاكمة بحيث يؤدي هذا الصراع في المحصلة الى كسر العصا المرفوع بوجوهنا في ظل تغول المؤسسة الحاكمة وامعانها بسياسة الاضطهاد القومي وفي ظل عجز القيادة عن كسر هذا العصا او حتى التخفيف من ضرباته !
الشعار الذي ترفعه المبادرة الوطنية " انتخاب قيادة شرعية للجنة المتابعة العليا " وبرغم اهميته .. الا انه وحده لا يلبي طموحات وتطلعات الشارع الفلسطيني ولا يروي ضمأ الشارع المتعطش للديموقراطية والحرية والكرامة الوطنية وحتى ان هذا المطلب وبرغم اهميته ليس هو ما يؤرق الشارع العربي هنا في زخم الاحداث المتسارعة والعواصف السياسية التي باتت تهدد حاضرنا ومستقبلنا كابناء للشعب الفلسطيني .
لا نقلل من اهمية انتخاب قيادة شرعية وبشكل ديموقراطي للجنة المتابعة وبرغم تقديرنا الى ان الانتخابات سينتج عنها اعادة انتخاب نفس القيادة مع تعديلات طفيفة .. خاصة وان للاحزاب السياسية القائمة ماكنات اعلامية ضخمة تمكنها من قولبة الانتخابات بالشكل الذي يضمن لها الفوز والسيطرة على اللجنة .. الا ان مطلبنا يجيء في ظروف نحن احوج ما نكون بها لصياغة معالم المرحلة القادمة وطرح رؤية جديدة سياسية واجتماعية للجماهير الفلسطينية في مناطق ال 48 .
رؤية بديلة هي الكفيل
عندما نطالب بانتخاب وتغيير شخوص وانماط عمل قائمة يجب ان لا نكتفي بتوصيف مكامن الضعف واسباب العجز ..بل يتوجب طرح برنامج بديل متكامل يتناول كافة القضايا السياسية والاجتماعية وبعمق ..
وعندما نقول ان القيادة ابتعدت عن نبض الشارع .. علينا ان نطرح برنامج يقربنا من الشارع .
وعندما نقول بأن القيادة حيدت السياسة فعلينا ان نطرح طريقة لجعل السياسة في تفكير الانسان الفلسطيني وتعميق وعيه تجاه قضاياه .
وعندما نقول نريد ان نكون جزء من المشهد الفلسطيني علينا ان نوضح جليا هذه العلاقة وكيفية اعتلاء المشهد الفلسطيني وان لا نبقى نراوح في دوامة "أزمة الهوية" .
وعندما نقول بأن الاساليب النضالية الحالية كرفع الشعارات والتظاهرات لم تعد تجدي نفعا .. علينا ان نطرح البدائل النضالية وان نحاول استنباط آليات نضالية جديدة .. فالاكتفاء برفع شعار وفكرة (انتخاب لجنة متابعة) ليس اساسا متينا لتأسيس مشروع وطني .. فالفكرة نفسها قد تتهمش مستقبلا عندما تشتد الازمات السياسية ويزج بنا في أتون الاضطهاد القومي ..وبوادر هذه المرحلة بدأت تظهر في الافق .
اسئلة عديدة تطرح نفسها وعلينا ان نمتلك الاجوبة الكافية على هذه الاسئلة .. وهنا يطرح السؤال الاهم ..هل سيبقى لانتخاب لجنة متابعة عليا قيمة لو قدر الله وافقنا صباحا على قرار حكومي ترانسفيري او تبادل سكاني ..وهذا متوقع برغم تقليل الاحزاب من اهمية وقيمة هذا القرار وامكانية تنفيذه .
كل هذه الاسئلة يجب ان تقودنا نحو اعادة النظر في الاولويات وان نتناول كل القضايا السياسية والاجتماعية المأزومة ونحاول صياغة برنامج سياسي اجتماعي نضالي متكامل ..وان لا نكتفي باطلاق فكرة واحدة ونعلِب الافكار الاخرى او نؤجلها الى الأمد البعيد .
من حق الشارع الفلسطيني ان ان يعرف الاجابات على اسئلة عديدة مطروحة لانه بحاجة ان يطمئن على حاضره ومستقبله وهو بحاجة الى برنامج بديل يتناول القضايا الهامة التي تمسه وتمس حياته اليومية .. وحتى لو كان البديل مجرد اجتهاد وفكرة الى انها هذه الفكرة قد تكون مبعث أمل واطمئنان .
اعترف باننا اجلنا الكثير من القضايا وهذا ليس بصالحنا وصالح مشروعنا .. علينا ان نعاود التفكير بالاولويا وبالسحنة السياسية والاجتماعية التي نحملها .. فهل نكتفي بطرح فكرة انتخابات لجنة متابعة ام نوسع المشروع بحيث يشمل كل القضايا الراهنة .. علينا ان نحدد مواقفنا من قضايا عديدة .. العلاقة بالشعب الفلسطيني ومشروعه الوطني .. مواقفنا من القضايا والاحداث اليومية المتسارعة
الشارع العربي بحاجة ماسة لاجابات شافية على هذه التساؤلات .. وهو ليس بحاجة للتغيير بقدر ما هو بحاجة لان يكون هذا التغيير نوعيا يلبي طموحاته وتطلعاته الوطنية والاجتماعية والاقتصادية
|