يستضيف منتجع شرم الشيخ المصري اليوم الجولة الجديدة من المفاوضات المباشرة بين الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي، باشراف السيدة هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الامريكية، ومشاركة السناتور جورج ميتشل مبعوث ادارتها للسلام في الشرق الاوسط. المفاوضات ستقتصر على لقاءات بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، سيكون بعضها مغلقاً يقتصر عليهما فقط للاتفاق على النقاط الخلافية التي تهدد بنسف المفاوضات، مثل قضايا الحدود وتمديد فترة تجميد الاستيطان في الضفة والقدس المحتلتين ويهودية دولة اسرائيل. نتنياهو اكد لتوني بلير مبعوث اللجنة الرباعية الدولية انه لن يمدد فترة تجميد الاستيطان التي تنتهي يوم السادس والعشرين من شهر ايلول/سبتمبر الحالي، بينما اعلنت حركة السلام الآن الاسرائيلية ان هناك خططاً باقامة 13 الف وحدة سكنية جديدة في مستوطنات الضفة والقدس المحتلتين فور انتهاء فترة التجميد الحالية في غضون عشرة ايام. الوفد الفلسطيني المشارك في المفاوضات يؤكد على لسان الدكتور صائب عريقات كبير المفاوضين انه لن يقبل بأي حلول جزئية، ويصر على تجميد الاستيطان، ولكن سمعنا الكثير من هذه اللنات على لسان الدكتور عريقات ورئيسه قبل ذلك، وجرى التراجع عنها مع اول محاولة ضغط امريكية. اللافت ان قضية تجميد البناء في المستوطنات اصبحت هي السقف الاعلى للمفاوضين الفلسطينيين، والقضية المحورية التي تغطي على قضايا اخرى اكثر اهمية ومصيرية، مثل عدم شرعية المستوطنات في الاساس، وحق العودة للاجئين الفلسطينيين، واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس. لسنا مع الرأي الذي يقول بان الوفد الفلسطيني قد ينسحب من المفاوضات اذا ما اصر نتنياهو على استمرار الاستيطان، وجعل قضية امن اسرائيل على قمة جدول الاعمال، وضرب عرض الحائط بالمطالب الفلسطينية الرسمية بضرورة الاتفاق على حدود الدولة الفلسطينية اولاً ومرجعية المفاوضات. فهذا الوفد، مثلما اثبتت تجارب سابقة، ليس امامه غير الاستمرار في المفاوضات لتجنب اغضاب الولايات المتحدة وادارتها رغم المعارضة الشديدة لمختلف الوان الطيف السياسي الفلسطيني لها. فليس صدفة ان تعلن السلطة التي يتزعمها الرئيس عباس وجود عجوزات كبيرة في ميزانيتها تحول دون دفعها للرواتب، ومسارعة دولة الامارات العربية المتحدة بدفع اربعين مليون دولار لانقاذ الموقف، مع بدء الجولة الثانية من المفاوضات في شرم الشيخ. ففي كل مرة تتصاعد فيها المعارضة الفلسطينية للمفاوضات يتصاعد في المقابل الحديث عن عجز السلطة عن الايفاء بمسؤولياتها المالية تجاه 160 الفاً من موظفيها في الضفة والقطاع. ومن المفارقة انه في الوقت الذي تتباهى فيه السلطة في رام الله بان مستوى النمو فيها يقترب من نسبة التسعة في المئة، يؤكد صندوق النقد الدولي ان النسبة نفسها في قطاع غزة المحاصر زادت عن 6 في المئة رغم الحصار والجوع وغياب اموال الدول المانحة. النقطة الاهم التي يتجاهلها العالم الغربي الديمقراطي بزعامة الولايات المتحدة الامريكية هي عدم شرعية تمثيل الوفد الفلسطيني ورئيسه للشعب الفلسطيني في هذه المفاوضات او غيرها. فرئاسة الرئيس محمود عباس للسلطة انتهت قبل عامين، وهناك انقسام كبير في الصف الفلسطيني بين الضفة وغزة، حيث توجد سلطتان متعارضتان، وبينهما وبين الشعب الفلسطيني في الشتات. الرئيس عباس لا يستطيع ان يوّقع اتفاقا مع الاسرائيليين لانه لا يملك تفويضا شرعيا من الشعب الفلسطيني في هذا الخصوص، ولم يعد مطلقا الى اي من المؤسسات الشرعية، مثل المجلس الوطني او اللجنة التنفيذية في المنظمة على هزالتها وانتهاء صلاحيتها، للتشاور واخذ المباركة على خطوته هذه. ان اكثر ما يخيفنا من هذا الاصرار الامريكي على استئناف المفاوضات دون غطاء شرعي فلسطيني وفي ظل الانقسام الحالي، وجود مشروع سلام بمواصفات اسرائيلية تستخدم هذه المفاوضات كواجهة مضللة لفرضه على الشعب الفلسطيني. اي اتفاق سلام يجب ان يتم التفاوض عليه من قبل سلطة شرعية تحظى بتأييد الغالبية العظمى من ابناء الشعب الفلسطيني كحد ادنى، وان تستند الى قرارات الشرعية الدولية وعودة القدس والسيادة الكاملة غير المنقوصة عليها، وازالة جميع المستوطنات وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين وتعويضهم عن ستين عاما من استغلال الاسرائيليين لارضهم. الرئيس عباس يجب ان يستغل شروط نتنياهو التعجيزية هذه ليس للانسحاب من المفاوضات المباشرة فقط، وانما لعقد مؤتمر صحافي استغلالا للاهتمام الاعلامي الدولي، واعلان حل السلطة الفلسطينية، واعادة الاوضاع الى المربع الاول، اي احتلال اسرائيلي يقابله شعب مقاوم له، ولتتحمل اسرائيل وامريكا مسؤولية هذه النتيجة. |