عمان- “رأي اليوم”- خالد الجيوسي:
تتسلّط الأضواء بكثافةٍ على تركيا، ورئيسها رجب طيّب أردوغان هذه الأيّام، فبينما تستمر قيمة الليرة التركيّة بالانخفاض، وتزداد مشاكله مع روسيا، وأمريكا، وتحضيره لعمليّة عسكريّة ضدّ الأكراد، واحتمال استعادة الجيش السوري لإدلب عسكريّاً، وتفكير أمريكا المُطوّل ببيعه طائرات “إف35″، ها هو الرئيس التركي وحزبه، يُخطّطان لاغتيالات سياسيّة مُفترضة جدليّة، وهذا اتهام تُوجّهه المُعارضة التركيّة للحزب الحاكم.
هذه الاتهامات لم تأت على لسان أحد المُحلّلين السياسيين، أو الصحفيين المُعارضين لأردوغان، بل جاءت كالمُفاجأة غير السارّة على لسان زعيم المُعارضة التركيّة وحزب الشعب الجمهوري المُعارض كمال كليتشدار أوغلو، والذي قال بأن لديه مخاوف من حُصول جرائم سياسيّة، والذي بدوره رفض الخوض بالمزيد من التفاصيل، أو تحديد أسماء بعينها مُعرّضة للاغتيال، وتأكيده بأن أردوغان قد يفعل أيّ شيء للبقاء في السلطة.
هذه المخاوف حول الاغتيالات، تحدّث عنها زعيم المافيا التركيّة الهارب للإمارات، سادات بكر، وقال إن هناك قائمة اغتيالات سياسيّة أطلق عليها اسم “قائمة الموت” موضوعة من قبل النظام الحاكم بحسبه، مُؤكِّدًا أنه مُدرَج على تلك القائمة.
في التاريخ التركي الحديث، شهدت تركيا حالةً مُنظّمةً من الاغتيال السياسي، كان حزب العدالة والتنمية الحاكم يُقيّدها ضدّ مجهول، فيما كانت تُوجّه الاتهامات لجماعة الخدمة التي يتزعّمها الداعية فتح الله غولن، والذي لا يزال أردوغان يطلب من الولايات المتحدة الأمريكيّة تسليمه، ويُؤكّد أن حقبة اغتيالات الفاعل المجهول قد ولّت إلى غير رجعة.
توقيت الاتهامات يأتي في وقتٍ تتحضّر فيه الأحزاب في تركيا لخوض الانتخابات، ومن المُفيد برأي البعض تفجير مثل تلك المُفاجآت التي تضرب بجماهيريّة، وسُمعة حزب العدالة والتنمية الحاكم أمام الرأي العام التركي، الذي سيلجأ للاغتيالات المُفتَرضة، للتخلّص من مُعارضيه البارزين، ومُنافسيه لعلّهم بالانتخابات الرئاسيّة 2023، وهي اتهامات جدليّة بكُلّ حال، تأتي في ظل تضارب استطلاعات الرأي المحليّة حول تراجع أو تقدّم شعبيّة أردوغان، وحزبه الحاكم، واختلاف المُعارضة على مُرشّح أوحد قوي ليُنافسه على الأقل حتى الآن في انتخابات الرئاسة القادمة.
هذه الاتهامات التي أطلقها زعيم المُعارضة التركيّة لم تكن إعلاميّةً فقط، بل تحرّكت على إثرها النيابة العامّة في العاصمة أنقرة، وأعلنت إطلاقها تحقيقات حول مزاعم قُرب حُصول “اغتيالات سياسيّة”، وتجري الآن النيابة تحقيقات وأبحاث في هذا الصّدد وفق ما أعلنت.
وفي حال تطوّر ملف اتهامات الاغتيال السياسي، يجري الحديث في تركيا عن ضرورة تقديم زعيم المُعارضة كمال كليتشدار إفادته، وسط تساؤلات حول استدعائه، أم توجّه المُحقّقين لزيارته والاستماع له.
مسؤولون في حزب العدالة والتنمية الحاكم من جهتهم ردّوا على تلك الاتهامات، بالدّعوة إلى تقديم أيّ أدلّة للنيابة العامّة.
وبالرغم أن اتهامات الاغتيال السياسي قد تضر بحزب العدالة والتنمية، ثمّة مخاوف بأن يستثمرها الحزب الحاكم لمصلحته، وتوجيه الاتهامات المُعاكسة لمن أطلقوها، حال عدم ثبات صحّتها وعلى رأسهم زعيم المُعارضة التركيّة، وقد تكون تصريحات وزير الداخليّة التركي سليمان صويلو المُقرّب من أردوغان مُؤشّرًا، وهو الذي علّق عليها بالقول: “من أطلق التصريحات لا يحمل أدنى مسؤوليّة تُجاه ما ستؤول إليه كلماته وتأثيرها في المُجتمع وتكاليفها الباهظة”.
وتساءل صويلو: “من أين حصلتم على المعلومات الاستخباريّة؟ هذه المعلومات تصدر عن الأجهزة الأمنيّة التركيّة، وعندما سألتهم عنها سواء في مديريّة الأمن أو في جهاز الاستخبارات أجابوا بأن لا علم لهم بوجود تهديدات لارتكاب جرائم سياسيّة”، وهُنا يبدو أن الوزير ينفي نفياً قاطعاً وجود تلك الاتهامات، مع تأكيده اللافت على عدم معرفة “جهاز الاستخبارات” بوجود هذه التهديدات.
ويبدو أنّ زعماء المُعارضة يأخذون تهديدات الاغتيال على محمل الجد، حيث قال نائب رئيس “حزب الجيد”، كوراي أيدن في تأكيده على حديث كلشدار أوغلو: “لقد سمعنا أيضًا أنه ستكون هُناك اغتيالات سياسيّة”، بينما شارك زعيم “حزب المستقبل”، أحمد داوود أوغلو في النقاش مُضيفًا: “علينا جميعًا أن نكون في حالة تأهّب”.
وتُوضَع علامات استفهام حول طريقة مُعالجة القضاء التركي لقضيّة اتهامات الاغتيالات المُفترضة هذه، حال وصولها أروقته بعد تحقيقات النيابة، مع وجود انتقادات محليّة ودوليّة حول “نزاهة” القضاء التركي، وتدخّل النظام الحاكم بأحكامه سياسيّاً، تماماً كما يجري بالجيش، والبنك المركزي، بعزل قُضاة، وتعيين آخرين بحسب الولاءات، ووفقاً لقائمة المنتدى الاقتصادي العالمي العام 2018 فقد احتلّ قضاء تركيا بمعايير النزاهة، والمصداقيّة المركز 111 من أصل 140.