الناصرة-“رأي اليوم”- من زهير أندراوس:
رأى الجنرال غرشون هكوهين، الباحِث في مركز بيغن-السادات للدراسات الإستراتيجيّة في تل أبيب، رأى أنّه بعد مرور عشرين عامًا على مغادرة لبنان، يتعيَّن فحص الأسئلة الأساسية (مثل ما كان هناك، وماذا كانت إسرائيل تقاتل من أجله، وكيف أجبرت على الانسحاب)، وهذه العوامل أثرّت سلبًا على سنواتٍ من القتال في لبنان في حملةٍ لم تسعَ للنصر.
وتابع أنّه على عكس حرب يوم الغفران 1973، كانت هناك فجوات في الثقة بين القيادة العليا والمستويات الميدانية، وفي جميع أنحاء قطاع الأمن، مُضيفًا: صحيح أنّه كان هناك قتال ضدّ تنظيم ينتهِج حرب عصابات، ولكن قبل كل شيء، تم الكشف عن شيء لا يقاوم بين الغرض الأساسي من السيطرة على الهدف الأمنيّ القاضي بحماية المستوطنات الشمالية وضرورة هزيمة حزب الله.
ولفت إلى أنّ الجيش الإسرائيليّ نفسه في حالة توتر بين ثلاثة أهداف: الأول، الذي تم الاعتراف به على أنّه الأكثر أهمية، أمن المستوطنات الشمالية، والثاني، استمرار وجود جيش جنوب لبنان للمحافظة على أمن السكان المدنيين في المنطقة الأمنيّة، وثالثًا: إلحاق الضرر بقوات حزب الله وتقليل قدراته القتالية، مُشيرًا إلى أنّ حزب الله حدد التوتر بين الأهداف الثلاثة وعمل على تحقيق الإمكانات الإستراتيجيّة الكامنة في تكثيف هذا التوتر.
وشدّدّ على أنّه منذ بداية التسعينات، ومع هيمنة حزب الله على جنوب لبنان، حدث تغيير هام، وعمِل حزب الله من أجل هدف جديد، الذي في بعده المُعلن، عملت المنظمة من أجل “تحرير الوطن”، وفي البعد السري، الذي كان أكثر جوهرية وصاغه التوجيه الإيرانيّ، سعى حزب الله إلى استغلال الوجود الإسرائيليّ في جنوب لبنان لهزيمة صورة التفوق العسكريّ الإسرائيليّ من خلال عدم قدرة الجيش على الفوز والدفاع عن نقاط ضعفه الكاملة، وبعد مرور أكثر من سنتين، ردّ حزب الله بعُنفٍ شديدٍ على قيام إسرائيل باغتيال أمينه العام، الشهيد عبّاس موسوي، حيث فجرّ مبنى الجالية في بوينس آيريس.
وأضاف: صحيح أنّ المنظمات “الإرهابيّة” الفلسطينية نفذت هجمات إرهابيّة وراء البحر ضدّ أهداف إسرائيلية، مثل قتل الرياضيين في ميونيخ، ولكن حزب الله قام بتطوير وترقية هذه الظاهرة بشكلٍ استراتيجيٍّ من خلال ربط الهجمات الإرهابيّة الخارجيّة بالتطورّات والمُستجدّات في حربه ضدّ إسرائيل في الجنوب اللبنانيّ.
عُلاوةً على ذلك، قال الجنرال هكوهين، الذي شارك في حرب لبنان الأولى: “كان استخدام حزب الله للأسلحة الصاروخية ضد الجبهة الداخلية الإسرائيليّة مختلفًا أيضًا عن استخدام المنظمات الفلسطينية بنفس الأسلحة، لافتًا إلى أنّه يبدو أنّ الهدف من وراء إطلاق الصواريخ بقي كما كان: كريات شمونة ونهاريا، كما أنّ هدف حزب الله كان أيضًا بثّ الرعب في الجبهة الإسرائيلية. ومع ذلك ، كان الارتباط الاستراتيجي لإطلاق الصواريخ أكثر تعقيدًا وكان الغرض منه إثارة الشكوك في إسرائيل حول فعالية الحزام الأمنيّ في جنوب لبنان: نظرًا لأنه إذا كان القتال في جنوب لبنان هو الذي تسبب في إطلاق الصواريخ ، فما الذي سيفعله بقاء الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان لتأمين المجتمعات الشمالية؟ وأقّر الجنرال بأنّ حزب الله فرض معادلةً تكتيكيّة القيود على استغلال سيادة الجيش الإسرائيليّ وكبح مبادرته الهجومية.
وأشار الجنرال هكوهين إلى أنّه منذ إقامة الحزام الأمنيّ في جنوب لبنان، تعامل المُستوى السياسيّ والأمنيّ مع المنطقة على أنّها ساحة ثانوية في جميع جهود هيئة الأركان العامّة للجيش الإسرائيليّ، والتي ركزت جهودها على قمع الانتفاضة الفلسطينيّة الأولى منذ العام 1987 واستمرّت هذه السياسة لانشغال الجيش في تطبيق اتفاق أوسلو، الذي تمّ التوقيع عليه بين دولة إسرائيل وبين منظمة التحرير الفلسطينيّة، بالإضافة إلى التحضير لحربٍ مُحتملةٍ ضدّ سوريّة، التي عارضت بقوّةٍ وبشدّةٍ هذه الاتفاقات. وأوضح أنّ هذه المسألة تتطلّب توضيحًا واضحًا لقدرة هيئة الأركان العامة والدفاع على معالجة العديد من التحديات التكتيكيّة والإستراتيجيّة في نفس الوقت.
وخلُص إلى القول إنّه لسنواتٍ، يُزعَم أنّ الجيش الإسرائيليّ تخلّى عن الرغبة في الانتصار، على الرغم من أنّ عبارة “دع الجيش ينتصر” تصف الواقع بطريقة بسيطة تمنع فهم الأعماق التي خلقت هذه الظاهرة، مُشيرًا إلى أنّ نظرة متجددة للقتال في قطاع الأمن هي درس أساسي في فهم تغيير حزب الله في أنماط الحرب ضد إسرائيل، وبالتالي تُشكِّل السنوات اللبنانية الأخيرة مختبرًا لرصد ظهور فخٍّ استراتيجيٍّ، كنقطة مرجعية ضرورية لصياغة مفهوم أمنيّ إسرائيليٍّ ملتزم بالنصر