رأى المُستشرِق الإسرائيليّ، د. ميخائيل ميلشتاين، من معهد السياسات والاستراتيجيات، أنّ النقاش المتزايد في الساحتين الإسرائيلية والفلسطينية حول مسألة “اليوم التالي” للرئيس محمود عبّاس يتركّز إلى حدٍّ كبيرٍ على احتمال أنْ تتطور صراعات فلسطينية داخلية عنيفة حول خلافة كرسي الرئاسة، الأمر الذي سيؤدي إلى زعزعة استقرار الحكم في رام الله ونشوء تهديدات أمنية تجاه إسرائيل، وفي مقدمتها موجات العنف واستغلال حماس للفراغ والفوضى المحتملة لتأسيس نفوذها وربّما السيطرة على بعض أراضي الضفة الغربية أوْ حتى المنطقة بأكملها.
وتابع: “كجزءٍ من هذا النقاش، من الضروري التعمق في تحليل التحركات المستقبلية لمروان البرغوثي وتأثيره المستقبلي على صورة النظام الفلسطيني والعلاقات بينه وبين إسرائيل، فقد أمضى الزعيم الفلسطيني، أحد قادة حركة فتح، مدة عشرين عامًا في السجن (منذ عملية السور الواقي في عام 2002)، ويبدو أنّه فقد قدرته على التأثير بشكل مباشر على الأحداث واتخاذ القرارات الاستراتيجية في النظام الفلسطينيّ، ولكن على الرغم من فترة سجنه الطويلة، لا يزال البرغوثي يحتفظ بمكانة رفيعة في النظام الفلسطينيّ”.
وأردف: “التأييد الجماهيري الواسع للبرغوثي يتناقض مع حقيقة أنّ التأييد له في صفوف حركة فتح محدود، فبعد سنوات عديدة من “تطهير” عبّاس لحركة فتح من خصومه، نجح في إعادة تأسيس الحركة من أنصاره فقط، ومع ذلك، البرغوثي نفسه يوضح بشكل لا لبس فيه وبشكل مستمر أنّه ينوي الترشح لقيادة النظام الفلسطيني، لا سيما في إطار الانتخابات العامة المقبلة حتى لو تمّ ذلك من داخل أسوار السجن”.
وأوضح د. ميلشتاين أنّه “على مر السنين، كانت هناك أصوات بإسرائيل تدعو إلى النظر في إطلاق سراح البرغوثي حتى يتمكّن من تثبيت نفسه كقائدٍ مستقبليٍّ للنظام الفلسطيني، وقد تلاشى هذا الخطاب تدريجيًا بسبب تراجع قوة البرغوثي السياسية، وكذلك بسبب الإجماع الذي نشأ في الكيان ضدّ إطلاق سراح المتورطين في العمليات المسلحة التي أودت بحياة إسرائيليين”.
وأكّد المُستشرِق أنّ “البرغوثي يعكِس إلى حدٍّ كبيرٍ عمليات أساسية في النظام الفلسطينيّ، معظمها قاتمة بطبيعتها، أولاً هو يمثل الجيل الضائع، الجيل الذي نشأ في الداخل وركز بشكلٍ أكبرٍ على مشاكل 1967 أكثر من قضايا 1948، وقاد الانتفاضة الأولى وكان من المفترض أنْ يكون قائدًا للنظام الفلسطيني، ولكن تمّ دفعه بعيدًا من قبل القيادة التي جاءت من تونس، ويواجه تحديًا من قبل جيلٍ فلسطينيٍّ شابٍ جديدٍ يرى فسادًا عميقًا في كلّ من الجيل القديم والجيل الأوسط، وبشكلٍ عامٍ يشعر بالخوف والنفور من النظام السياسي برمته”.
وشدّدّ على أنّ “حقيقة التوق الجماعي إلى البرغوثي يشير إلى حدٍّ كبيرٍ إلى الفراغ القياديّ الموجود في النظام الفلسطيني والمتوقع أن يتفاقم في “اليوم التالي” لأبو مازن، علمًا أنّ كلّ المرشحين لخلافة عبّاس إمّا يعانون من الضعف السياسيّ أوْ العداء من قبل الجمهور”.
ولفت المُستشرِق إلى أنّه “في ظلّ هذه الخلفية نشأ لدى الكثيرين من الجمهور الفلسطيني حنينًا للعودة إلى القيادة النزيهة مع تجاهل حقيقة أنّ ممثلها يوجد خلف القضبان، وأنّ التصويت المستقبليّ للبرغوثي هو تعبير عن رغبة أكثر منه دعم رؤية واضحة وقابلة للتحقيق.”
بالإضافة إلى ما ذُكِر أعلاه، أوضح د. ميلشتاين أنّه “من المتوقع أنْ يكون للبرغوثي وزنًا كبيرًا في سيناريوهات “اليوم التالي” لعبّاس، لا سيما في ظلّ طموحه الذي لا هوادة فيه في المنافسة على الرئاسة، وهذا السيناريو سيطرح معضلاتٍ حادّةٍ لكلٍّ من إسرائيل والفلسطينيين، ويؤدي إلى تفاقم نظام العلاقة الهشّة بالفعل بين الطرفين، وإثارة الاهتمام وحتى جهود للتدخل من قبل أطرافٍ خارجيّةٍ مع ممارسة الضغط على إسرائيل، وهذا تعبير عن محاولة البرغوثي وأنصاره الطويلة الأمد لترسيخ صورته على أنّه “مانديلا الفلسطيني”، والاستعانة بذلك في الانتخابات المقبلة ليس فقط لتعزيز قوته الشعبية والسياسية، ولكن أيضًا كوسيلة تمكن من إطلاق سراحه من السجن”.
وشدّدّ المُستشرِق على أنّه “إذا نجح البرغوثي بالفعل في الفوز بالرئاسة الفلسطينية، فسوف ينشأ وضعًا معقدًا يكون فيه زعيم الشعب الفلسطينيّ الذي تمّ انتخابه من خلال الوسائل الديمقراطيّة محكومًا عليه بالسجن مدى الحياة من قبل إسرائيل”.
ولفت المُستشرِق الإسرائيليّ إلى أنّ “مثل هذا الواقع يمكن أنْ يخلق الفوضى والارتباك السياسيّ في السلطة الفلسطينيّة (التي ستُواجِه أيضًا تحديات صعبة مع اختفاء أبو مازن)، ومن المحتمل أنْ تتبعها حركات احتجاجية شعبية ضدّ إسرائيل في النظام الفلسطيني، وربّما حتى داخل المجتمع الفلسطينيّ بأراضي الـ 48، إلى جانب ضغوط خارجية للسماح بالاتصال بين البرغوثي والساحة الفلسطينية، خاصّةً إذا تدهور الوضع في الضفة الغربية وأصبح من الضرورة إطلاق سراحه من السجن.”
وخلُص إلى القول: “مطلوب من الحكومة الإسرائيليّة القادمة وضع استراتيجيّة حول القضية الفلسطينيّة لم تكن موجودةً، فمسألة “اليوم التالي” لأبو مازن يجب أنْ تحتل جزءًا رئيسيَا في تلك العملية، ومن المهم التركيز في هذا السياق على المعضلة المؤثرة التي يتوقع أنْ يثيرها مروان البرغوثي، واستيعاب أوْ فهم الآثار أوْ النتائج الاستراتيجيّة لتحركاته المستقبليّة”، على حدّ تعبير المُستشرِق د. ميليشتاين.