الناصرة-“رأي اليوم”- من زهير أندراوس:
بات المشهد كاملاً، متكاملاً وجاهزًا للانفجار بين دولة الاحتلال وتنظيمات المُقاومة الفلسطينيّة في قطاع غزّة، الحكومة الإسرائيليّة بقيادة الثنائيّ غير المرح، بينيت ولبيد، تلفظ أنفاسها الأخيرة في غرفة الإنعاش المُكثّف، وهنا تكمن خطورتها: استغلال (مسيرة الأعلام) الاستفزازيّة، يوم بعد غدٍ الأحد، لشنّ عدوانٍ على قطاع غزّة بهدف تصدير أزمات الكيان، ومن الناحية الثانية، توجيه رسالةً للإسرائيليين بأنّها حكومة قويّة، تتعامل مع الفلسطينيين باللغة التي يفهمونها: القوّة، وإذا لم تنفع القوّة، فيجِب اللجوء إلى المزيد من القوّة والدمار والقتل والتشريد، ولا نُجافي الحقيقة، بحسب التحليلات في الإعلام العبريّ، لا نُجافي الحقيقة إذا جزمنا أنّ قطاع غزّة قد يدفع ثمن انهيار الحكومة، ويدفع ضريبّة مُضافةً لأنّ الأحزاب التي المنخرِطة بالائتلاف الحاكم تُريد عبر الحرب على غزّة، الحصول على أصوات الناخبين في الانتخابات التي ستجري قريبًا في إسرائيل.
علاوةً على ذلك، فإنّ الاستطلاع الأخير الذي أُجري في إسرائيل أكّد أنّ رئيس الوزراء الإسرائيليّ السابِق، بنيامين نتنياهو سيكتسِح الانتخابات القادمة ويفوز بالضربة القاضية، إلّا أنّ المعطى الأهّم هو أنّ حزب (يمينا) بقيادة رئيس الوزراء الحالي، نفتالي بينيت، لن يعبر نسبة الحسم، علمًا أنّه لأوّل مرّةٍ في تاريخ إسرائيل، يُنتخب رئيس وزراء، يقود حزبًا من ستّة نوّاب كنيست فقط، من أصل 120، وأكثر من ذلك، فإنّ الانسحابات من الحزب مستمرّة، من قبل النوّاب، ومن قبل المؤيّدين، إذْ أنّ كون بينيت ضابطًا سابقًا في وحدة (ساييرت مطكال) الأكثر نخبويةً في جيش الاحتلال، وكونه ثريًا كبيرًا بسبب الأموال التي حصل عليها من تطويره وبيعه لبرامج حاسوب متطورة في عالم (الهايتك)، عُلاوة على كونه يمينيًا-متطرّفًا، مسيحانيًّا، ورافضَا مبدئيًا لدولةٍ فلسطينيّةٍ منزوعة السلاح في أجزاءٍ من الضفّة الغربيّة، وإعلانه عن أنّ التقدّم في المسار الفلسطينيّ سيكون اقتصاديًا فقط، ورفضه الجلوس مع رئيس سلطة رام الله، محمود عبّاس، كلّ هذه العوامل مجتمعةً، لم تشفع له، وباتت شعبيته في حضيض الحضيض لأنّ المجتمع الإسرائيليّ، هكذا يؤكّد الخبراء، تغيّر، وبات كره العرب العامل الوحيد الذي يوحده، وبات نتنياهو بنظر الأغلبية الساحقة م الصهاينة بمثابة المسيح المنتظر أوْ المُخلّص، علمًا أنّ يتمتّع بلقبٍ غير رسميٍّ، بل شعبي: “ملك إسرائيل”، لذا فإنّ المنفذ الوحيد الذي تبقّى أمامه كي يبقى في المشهد السياسيّ الإسرائيليّ هو الحرب، الحرب على الفلسطينيين لتلقينهم درسًا وباللغة التي يجِب أنْ يفهمونها: القوّة، والمزيد من القوّة.
إلى ذلك، رأى الضابط الرفيع السابِق في جهاز الأمن العّام (الشاباك)، ليئور أكرمان، في مقالٍ نشره بصحيفة (معاريف) العبريّة، أنّ النتيجة المؤسفة لانهزام إسرائيل هي أنّ منظمة، قوامها نحو 20 ألف مقاتل، تسيطر على قطاع غزة بأكمله، وتحتجز إسرائيل بأكملها رهينةً، تجرّها عبر ردود احتوائية بعد مبادراتها وهجماتها، على حدّ تعبيره.
وتابع قائلاً :”إنّ السلوك الانهزامي لإسرائيل، في مواجهة قطاع غزة، لم ينتهِ، فإلى جانب فشل الردع البحريّ، فضلاً عن فشل الردع البريّ بسبب فشل مختلف العمليات لتغيير المعادلة، أظهرت إسرائيل ضعفًا مستمرًا في مواجهة (حماس)، في كل ما يتعلق بروتين الحياة في قطاع غزة.
ومضى الضابط السابِق بالشاباك: “تستمر ملايين الدولارات في التدفق في القطاع، من قطر ودول الاتحاد الأوروبي، بدعوى تأمين الاحتياجات الإنسانية، لكن يتمّ عمليًا تحويل هذه الأموال إلى التسلّح وبناء البنية التحتية العسكرية في القطاع”.
أكرمان أضاف: “تقرأ (حماس) الخريطة جيدًا، وتتصرف بعزم ومثابرة، على عكس إسرائيل، من أجل تحقيق رؤيتها. تقود الخطاب بشأن جبل الهيكل (المسجد الأقصى) والقدس، وتُمْلي توقيت العمليات والاعتداءات على إسرائيل ونطاقَها، وتشجّع الخلايا في يهودا والسامرة (الضفة الغربية) وتموّلها، وتدير، على نحو غير مباشر، حوارًا دبلوماسيًا مع إسرائيل، كما لو أنّهما دولتان ذات سيادة، وطبيعيتان، وتواصل الإمساك بمئات آلاف الإسرائيليين في غلاف غزة، رهائنَ منذ أعوام”، كما أكّد.
أكرمان خلُص إلى القول إنّه “كما في حالة جدار الفصل، تمنع الأسباب السياسية الداخلية إسرائيل من خلق الردع والحكم والأمن لمواطنيها. لا تشكل (حماس) تهديدًا وجوديًا أمنيًا لإسرائيل، يأتي التهديد الوجودي الحقيقي من الداخل، وينبع من الافتقار إلى القيادة والشجاعة القيادية، على مدى أعوام، ومن الافتقار إلى السياسة والإستراتيجية، وإظهار مستمر للضعف والاحتواء، والرغبة في المحافظة على الهدوء. يجب أنْ يتغيّر هذا، بسرعة”، بحسب تعبيره.
من ناحيته أكّد المحلل العسكريّ المخضرم رون بن يشاي، في مقالٍ نشره بموقع (YNET) الإخباريّ-العبريّ أنّ سياسة الردع الإسرائيليّ أمام الفلسطينيين أصابها الانكسار، وقد آن الأوان للفصل بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ذلك “لأن المسلحين الفلسطينيين لم يعودوا يخشون أن يُقتلوا في ساحة العمليات التي ينفذونها”، على حدّ وصفه.
وشدّدّ على أنّ موجة العمليات الفلسطينية الأخيرة كشفت عن حقيقة مقلقة للإسرائيليين وهي أنّ دولتهم وأجهزتها الأمنية ومواطنيها فقدوا القدرة على ردع منفذي تلك الهجمات، على حدّ تعبيره.