65 عامًا مرت على مجزرة كفر قاسم التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في بلدة “كفر قاسم” في فلسطين المحتلة، يومَ قتلت “إسرائيل” وسفكت دماء عشرات الأبرياء.
تحل اليوم الجمعة، الذكرى لـ 65 لمجزرة كفر قاسم البشعة، التي قتل فيها ما سمى “حرس الحدود” 49 شهيدا من أهل كفر قاسم، أطفالا ونساء، رجالا ومسنين.
تزامنت مع العدوان الثلاثي
هي مجزرة واحدة من عشرات المجازر التي اقترفتها دولة الاحتلال وعصاباتها على مدار تاريخ احتلال فلسطين، إلا أن هذه المجزرة اكتسبت بُعدًا خاصًا، لكونها تزامنت مع العدوان الثلاثي على دولة مصر.
وقعت مجزرة كفر قاسم الرهيبة في 29 تشرين الأول/ أكتوبر من العام 1956، عشية العدوان الثلاثي “إسرائيل وفرنسا وبريطانيا” على مصر، ففي حينه كان الحكم العسكري مفروضا على العرب الفلسطينيين في جميع أنحاء الكيان الصهيوني، طيلة 8 سنوات، واستمر حتى العام 1966، فقرر الحاكم العسكري يومها فرض منع التجول المفاجئ على البلدة.
لم يكونوا يعرفون بوجود أي أمر عسكري
واستشهد 49 شخصا كانوا عائدين من العمل إلى منازلهم بادعاء أنهم لم يلتزموا بالأمر العسكري، علما بأنهم لم يكونوا يعرفون بوجود أي أمر عسكري، فأمر قائد الفرقة العسكرية بـ”حصدهم” وعندما استفسر أحد الجنود عن معنى هذه الكلمة قال له “الله يرحمهم”.
في هذه المجزرة ارتقى الضحايا بأمر مسبق وقتلوا بدم بارد، لم يغفر للأطفال كونهم أطفال ولا للنساء كونهم نساء أو كبار السن أو عمال جهدوا في عملهم ليحصلوا على قوت عيشهم ولم يعرفوا أن أمر بحقهم أخد مسبقا .
كشف هذه المجزرة لم يكن سهلا أمام ما قامت به السلطات من محاولات التعتيم وقلب الصورة واليوم تقوم الجماهير في الداخل الفلسطيني المحتل، بإحياء ذكرى المجزرة والتنديد بها وبمسبباتها واستذكارا للضحايا الأبرياء، وأيضا لما تمثله من نقطة هامة في نضال الجماهير العربية الفلسطينية وحفاظها على الهوية القومية وحقوقها على تراب هذا الوطن ومن اجل الصمود ومن اجل التطور والنمو والمساواة التامة في الحقوق.
لم يحاسب مرتكبي هذه المجزرة وبعد مرور عشرات السنين على المجزرة ما زالت سياسة التمييز، وسياسة الحرب مستمرة ويسقط يوميا ضحايا أبرياء من المدنين أطفالا ونساء وشيوخ ورجالا في فلسطين المحتلة.
وهدفت المجزرة -وفق مؤرخين- إلى ترحيل فلسطينيي منطقة “المثلث الحدودي” بين الداخل الفلسطيني المحتل، والضفة الغربية المحتلة، التي كانت آنذاك جزءا من الأردن التي تقع فيها بلدة كفر قاسم، بواسطة ترهيب سكانها على غرار مذبحة دير ياسين ومجازر أخرى.
ويؤكدون أن دولة الاحتلال -التي لم تحتمل العدد الكبير لسكان هذه المنطقة من العرب- قتلت بدم بارد خلال 1949-1956 ثلاثة آلاف فلسطيني معظمهم ممن حاولوا العودة بعد تهجيرهم إلى بلدان الجوار، وقد تولت تنفيذ هذه المجازر وحدة خاصة بقيادة المجرم “أرئيل شارون” عُرفت باسم “101”.
مجازر مسبقة
وفي أجواء القتل هذه، وهيمنة عقلية المجازر في “إسرائيل”، جاءت مذبحة كفر قاسم التي نفذت دولة الاحتلال قبلها، مجزرة يوم 11 سبتمبر/أيلول 1956؛ حيث قتلت 20 جنديا أردنيا في هجوم على معسكرهم، ثم قتلت 39 فلسطينيا بقرية حوسان في قضاء بيت لحم، و88 آخرين في قلقيلية في الشهر نفسه.
بدء المجزرة
بدأت المجزرة عندما أعطت قيادة جيش الاحتلال أمرًا يقضي بفرض حظر التجول على القرى العربية في “المثلث الحدودي” الذي يمتد من أم الفحم شمالا إلى كفر قاسم جنوبا، بدءا من الخامسة مساء 29 أكتوبر/تشرين الأول 1956 وحتى السادسة من صباح اليوم التالي.
وكان القرار حازما إذ أرفِق بقرار أمني يخوّل الجنود إطلاق النار وقتل كل من يتجول بعد سريان الحظر -وليس اعتقاله- حتى ولو كان خارج بيته لحظة إعلان منع التجول، لأن قيادة الجيش كانت تقول، “إنها لا تريد التعامل مع السكان بالعواطف”.
ووُزعت قوات من جيش الاحتلال على القرى الفلسطينية في المثلث (منها كفر قاسم، وكفر برا، والطيرة، وجلجولية، والطيبة، وقلنسوة)، وكان يقودها آنذاك الرائد شموئيل ملينكي الذي يتلقى الأوامر مباشرة من قائد كتيبة الجيش الموجودة على الحدود، وهو المقدم يسخار شدمي.
كما توجهت مجموعة من الجنود إلى بلدة كفر قاسم، وقُسمت إلى أربع فرق بحيث بقيت إحداها عند المدخل الغربي للبلدة، وأبلغ قائدُها الضابطُ يهودا زشنسكي “مختارَ” البلدة في ذلك الوقت وديع أحمد صرصور بقرار منع التجول، وطلب منه إبلاغ السكان بالتزامه ابتداء من الساعة الخامسة.
أخبر صرصور الضابط زشنسكي بأن هناك أربعمائة شخص يعملون خارج القرية ولم يعودوا بعد، فأعطاه وعدًا بأن هؤلاء سيمرون بسلام لدى عودتهم، ولن يتعرض لهم أحد بسوء.
لكن مساء ذلك اليوم شكّل مرحلة مفصلية في تاريخ كفر قاسم والشعب الفلسطيني عامة، ففي تمام الخامسة مساء دوّى صوت رصاص كثيف داخل البلدة فصمّ آذان معظم سكانها، إثر إطلاق الجنود النار على مجموعة من الأهالي كانوا عائدين من حقول زراعتهم في المساء إلى بلدتهم، فقتلوا منهم 49 شخصا، وأصابوا العشرات بجروح بالغة، بذريعة خرق منع تجول لم يعلموا بإعلانه المفاجئ.
كان من شهداء مجزرة كفر قاسم، مسنّون و23 طفلا تتراوح أعمارهم بين 8-17 عاما، و13 سيدة، ولم يكن عدد سكان كفر قاسم آنذاك يتجاوز ألفيْ نسمة. وقد ارتقى عند المدخل الغربي للبلدة وحده 43 شهيدًا.
أسماء مقترفي المجزرة المجرمين
وارتبطت المجزرة بأسماء عدد من العسكريين الصهاينة أمثال الضابط يسخار شدمي الذي استدعى شموئيل ملينكي وأبلغه بقرار تكليفه مهمة حراسة الحدود وفرض منع التجول في قرى منها كفر قاسم، ثم أعطى التعليمات بارتكاب المجزرة.
وقد حاولت حكومة الإحتلال برئاسة ديفد بن غوريون إخفاء حقيقة مذبحة كفر قاسم، إذ نـُشر أول خبر عنها في الصحف بعد أسبوع من وقوعها أي يوم 6 نوفمبر/تشرين الآخِر، أما تفاصيلها فمنعت الحكومة وصولها إلى الرأي العام إلى يوم 17 ديسمبر/كانون الأول 1956.
وبعد تسلل إلى البلدة لاستقصاء الحقائق مباشرةً من الشهود والمصابين، اضطرت الحكومة إلى تشكيل لجنة لتقصي الحقائق والبدء في إجراء تحقيق أسفر عن محاكمة من عدّتهم مسؤولين مباشرين عن المجزرة، فأجريت محاكمة صورية لهم.
حُكم فيها على الضابط شموئيل ملينكي بالسجن 17 عاما، وعلى جبرائيل دهان وشالوم عوفر بالسجن 15 عاما، وعلى الجنود الآخرين بالسجن ثماني سنوات.
أما قائد حرس الحدود المقدم شدمي -الذي أعطى الأوامر بالقتل- فقد تمت تبرئته من ارتكاب الجريمة، وغُرّم بدفع قرش واحد، وقد قال -في حديث لصحيفة هآرتس العبرية- إنه نفذ “أوامر عليا” حين أمر جنوده بقتل المدنيين قائلا “احصدوهم”.
ثم غُيّرت الأحكام الصادرة بحق مرتكبي الجريمة، حيث خُففت بعد الاستئناف لتصبح 14 عاما بحق ملينكي، وعشرة أعوام لدهان، وتسعة أعوام لعوفر. ثم خُفضت مرة أخرى باتجاه إلغائها نهائيا، إذ تدخل رئيس دولة الاحتلال وخفض الأحكام إلى خمسة أعوام لكل من ملينكي وعوفر ودهان. وأطلِق سراح آخرهم مطلع عام 1960.